أحمد محمد الشحي : كي لا تُغلَق المساجد
إن التزام رواد المساجد بالإجراءات الاحترازية سبب لاستدامة نعمة الصلاة فيها وخاصة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك
يعيش العالم اليوم جائحة صحية عالمية بسبب فيروس «كورونا» المستجد، الذي انتشر في ربوع الأرض، مهدداً الحياة البشرية، وقد خلَّف ضحايا بالملايين بين وفيات ومصابين، مع معاناة شاملة في جميع المجالات والنواحي، وإزاء ذلك كافحت الدول والشعوب لمواجهة هذا الغزو الوبائي، ونجحت إلى حد كبير في السيطرة عليه وكبح جماحه، إلا أن الصراع العالمي الشرس مع هذا الفيروس مستمر.
لقد سارعت الدول منذ ظهور الوباء إلى اتخاذ الإجراءات المتنوعة لمواجهته، ويأتي على رأس ذلك كله الالتزام المجتمعي بإجراءات الوقاية، والذي يشكل حجر الزاوية، بل الجدار الأول والأهم في إنجاح جهود الدول في مكافحة الجائحة.
وقد سعت دولة الإمارات منذ اليوم الأول إلى وضع أفضل الاستراتيجيات الشاملة لمكافحة الوباء وحماية المجتمع منه، وقامت بتعزيز الوعي المجتمعي للوقاية والالتزام بالإجراءات الاحترازية، كما سنت القوانين الحازمة لمنع الإخلال بذلك، وخاضت دولة الإمارات، ولا تزال، معركة شاملة ضد هذا الوباء، وأبلى جنودها بلاء حسناً، سواء جنود الخط الأمامي من أطباء وممرضين ورجال شرطة ومتطوعين وغيرهم، أو عامة الأفراد من مواطنين ومقيمين، الذين ساهموا في إنجاح هذه الجهود بالتزامهم بالإجراءات الوقائية.
إن هذا الواقع الجميل والإنجاز الوطني المشرق يحتم علينا جميعاً المحافظة عليه، بالاستمرار في إجراءات الوقاية، وعدم التهاون في ذلك بأي شكل من الأشكال، لنكون جميعاً لبنات صلبة في جدار حماية وطننا من الوباء، وممن هم معنيون بذلك رواد المساجد، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على أنفسهم وعلى من خلفهم من أسرهم ومجتمعهم بالالتزام التام بالإجراءات المحددة للصلاة في المساجد.
ومن ذلك ارتداء الكمامة، وإحضار كل مصلٍ سجادة الصلاة الخاصة به، والالتزام بالتباعد الجسدي بين المصلين، وترك التجمعات والمصافحة قبل الصلاة أو بعدها، وغير ذلك من الإجراءات المحددة، وكذلك عدم ارتياد المصاب بالمرض للمسجد، أو من يشتبه بإصابته، أو المخالط لحالات مصابة، وعدم التهاون في ذلك بأي شكل من الأشكال.Volume 0%
إن التزام رواد المساجد بهذه الإجراءات الاحترازية التي حددتها الجهات المختصة للصلاة في المساجد، سبب لاستدامة هذه النعمة العظيمة واستمرارها، وهي نعمة فتح المساجد والصلاة فيها، وخاصة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، الذي لم يتبقَ عليه سوى شهرين، وكلنا أمل في أن نؤدي الصلوات في رمضان في بيوت الله، وأن ييسر الله تعالى لنا أداء صلاة التراويح وقيام الليل في المساجد، وكل ذلك مرهون بمدى التزام المصلين بالتدابير الوقائية، ومدى التزام المجتمع عموماً بذلك، وفي الإخلال بهذا الباب من قبل المصلين سبب لإغلاق المساجد، وحرمان الناس من الصلاة فيها.
إن محافظة رواد المساجد على إجراءات السلامة لبنة أساسية من لبنات إنجاح جهود الدولة في التصدي للوباء، وهم بذلك في طاعة لله تعالى، وطاعة لولي الأمر، يؤدون واجباً شرعياً ووطنياً، ويساهمون في حفظ ضرورة من ضروريات الإسلام الكبرى، وهي حفظ الأنفس، والتي شدد الشارع الحكيم على حفظها، ووقايتها، وصيانتها من أسباب الضرر والهلاك.
ومن ذلك، وقايتها من الأمراض المعدية، ففي الحديث النبوي: «لا يُورِدَنَّ مُمرضٌ على مُصحٍّ»، بل تعدى عناية الشرع الحنيف في هذا الباب حتى شمل منع إيذاء الآخر ولو برائحة مؤذية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته»، وأصدر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي فتاوى عدة للتأكيد على وجوب تقيد الأفراد بالإجراءات الاحترازية للوقاية من جائحة «كورونا»، سواء كانت متعلقة برواد المساجد أو غيرهم.
إن الدول والمجتمعات اليوم تخوض معركة كبرى ضد هذا الوباء، ومن واجبنا جميعاً أن نصطف مع قيادتنا الحكيمة، ونكون سنداً لها في إنجاح جهودها المباركة في هذه المعركة العالمية، بالالتزام التام بالإجراءات الاحترازية دون أي تهاون، وبأخذ اللقاح، وسائر ما توجه به الجهات المختصة من تدابير وإجراءات.
وإننا نتوجه إلى الله تعالى بأن يوفق رواد المساجد للمحافظة على هذه النعمة، وأن يحفظ دولتنا وقيادتنا وشعبنا من كل سوء ومكروه، وأن يرفع الوباء عنا وعن العالم أجمعين.