أحمد الجارالله : المبادرة السعودية والاختبار الإيراني الصعب
يدرك الجميع أن الحرب في اليمن بين التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وإيران، وليست مع الحوثيين الذين هم أداة بيد نظام الملالي، وبالتالي فإن الرياض بمبادرتها هذه وضعت طهران أمام خيار صعب، وامتحان حقيقي، فإما قبولها بالسلام ووقف سفكها للدماء اليمنية والكف عن عدوانها العبثي المستمر أو مواجهة المجتمع الدولي الذي لم يعد لديه غير التأديب الذي لوحت به أكثر من عاصمة غربية فور إعلانها تأييد المبادرة السعودية للسلام.
لا شك ان هذه الخطوة المتقدمة التي أعلنها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان تشكل بداية لمرحلة جوهرية في عملية إعادة الاستقرار الى اليمن، ولهذا فإن الترحيب الدولي، والتأييد المتزايد لها، يعني أن العالم لن يقبل باستمرار المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني منذ العام 2011 حين انقلبت جماعة الحوثي على الدولة سعيا الى تحقيق الشق الآخر من مشروع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التخريبي تحت عنون” الربيع العربي” والديمقراطية للشعوب العربية.
طوال السنوات الست الماضية سادت قناعة لدى الإيرانيين والحوثيين أن إطالة الحرب ستنهك المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي، ما يسهل اجتياحهم الأراضي السعودية والسيطرة على الأماكن المقدسة، وتحقيق الوهم الملالوي، لكن الأحداث أثبتت أن المملكة تسعى لتحقيق السلام في اليمن، وفي الوقت نفسه الدفاع المشروع عن حدودها وأمنها ضمن الأطر والأعراف والمواثيق الدولية.
رغم كل هذا فقد أثبتت الوقائع أن كل الهجمات التي شنها الحرس الثوري، أكان بالصواريخ البالستية أو المسيَّرات، ومحاولات ترويع المواطنين الآمنين في المملكة لم تفت بعضد الشعب، بل زادت من تصميمه على المواجهة والالتفاف حول قيادته، فيما زاد الاهتراء في صفوف حلفاء إيران، ليس في اليمن فقط، بل في الإقليم ككل، ما يعني أن على المخططين والموجهين الموجودين في طهران إدراك أن هذه اللعبة قد انتهت بهزيمة مشروعهم.
يعرف العرب والعالم أن ما تم الإعلان عنه يأتي ضمن المبادرات السابقة، منذ المبادرة الخليجية مروراً بدعم كل جهود المشاورات لإنهاء الأزمة، والوصول إلى حل سياسي شامل، وبالتالي فإن تضييع الحوثيين هذه الفرصة التاريخية يعني استمرارهم بإخضاع 26 مليون نسمة للمعاناة الإنسانية التي تسببوا بها خلال السنوات الماضية، فالمبادرة لا تجسد اهتمام المملكة بأهمية استقرار اليمن وتغليب كل مكوناته للمصالح الوطنية فقط، بل تعني البدء بمشروع عربي من أجل إعادة إعماره، ومعالجة كل الخلل الذي تسببت به الحرب.
لقد كانت المملكة واضحة في تحديد المسار الواجب اتباعه لخروج اليمن من المستنقع وهو عبر منح الحوثيين الفرصة لإعلاء مصالح بلادهم وشعبها على الأطماع الإيرانية، ولهذا كان نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان واضحاً بقوله:” نأمل سرعة قبولهم بها للبدء بمشاورات سلام بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام”، فالعرب عموما، والسعودية خصوصا، لن يقبلوا باستمرار هذه المعاناة التي فرضها مشروع توسعي طائفي ابتدعته المخيلة الإيرانية المريضة.
ثمة حقيقة لا بد من الاعتراف بها، وهي أن السعودية وقوات التحالف العربي كانت قادرة على حسم الحرب منذ سنواتها الأولى، لكنهم كانوا يتحاشون الاصطدام بالقوانين الدولية، التي للأسف تحولت في عهد إدارة أوباما قوانين عوراء لا ترى جرائم إيران والحوثيين في اليمن وبقية الإقليم، لكن كلما حاول التحالف تأديب هذه الجماعات ثارت ثائرة منظمات حقوق الإنسان التي كانت تحركها إدارة أوباما والمتمصلحون من إيران، فأشهرت تلك القوانين بوجه المملكة.