المستقبل في خطر..تعليم على الطريقة الإيرانية يحوّل الدراسة في شمال اليمن إلى عملية غسل أدمغة
مقررات دراسية حوثية ملغومة بالتحريض على العنف والكراهية ومعاداة السامية
تكشف وثائق ومواد تعليمية متداولة في مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن عن نوع غير مألوف من مناهج التدريس يمكن تسميتها بالمناهج التعبوية الحربية، نظرا لما تحتوي عليه من دعوات صريحة إلى الكراهية ونبذ التسامح ومن تحريض على العنف وحث للناشئة على الانخراط فيه تحت مسمّى الجهاد، وفي نطاق مشروع أكبر يتصل بصراعات إيران في المنطقة ومخططاتها لمدّ نفوذها في الإقليم والتغلغل في مجتمعاته.
يخرج المطّلع على محتوى مواد تعليمية متداولة في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، سواء تعلّق الأمر بمقرّرات معتمدة في المدارس، أو بمطبوعات موجّهة للطلاب كوثائق تكميلية أو نشريات مخصصّة لدورات التعليم الموسمية مثل المخيّمات الصيفية، بنتيجة مفادها تحوّل العملية التعليمية هناك إلى ما يشبه حملة تعبئة وتجنيد واسعة النطاق لجيل كامل، عبر تلقينه منظومة من الأفكار لا ترتبط فقط بأيديولوجيا الحوثيين وعقيدتهم بكل ما تنطوي عليه من تطرّف وكراهية ونبذ للتسامح، بل تتصل أيضا بصراعاتهم السياسية والعسكرية في داخل البلاد، وحتى بصراعات المحور الإقليمي الذي ينتمون إليه وتقوده إيران ويضم جماعات وتنظيمات طائفية متشدّدة في العراق وسوريا ولبنان وغيرها.
وكشفت دراسة حديثة نشرتها منظمة إمباكت أس.إي المتخصّصة في مراقبة المناهج التعليمية والكتب المدرسية في جميع أنحاء العالم ورصد قيم السلام والتسامح في العمليات التعليمية، أن الحوثيين جعلوا من نظام التعليم في مناطق سيطرتهم باليمن المعادل “الناعم” للحرب الميدانية التي يخوضونها، وحوّلوه إلى وسيلة لنشر القيم والثقافة والأفكار السياسية الإيرانية التي يتبنونها.
وتصف الدراسة التي حملت عنوان “مراجعة المواد التعليمية للحوثيين في اليمن” ما يتم تدريسه للطلاب تحت إشراف جماعة أنصار الله الحوثية بأنّه الأكثر إثارة للقلق بين المناهج والمحتويات التي قامت إمباكت أس.إي بمراجعتها، حيث تضم مزيجا من الكراهية وتمجيد العنف كحل وحيد لحل النزاعات عبر تلقين الأطفال وجوب التضحية بحياتهم، في تعارض تامّ مع معايير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” القائمة على نشر التسامح والسلام.
ولا يحيل رصد العملية التعليمية للحوثيين فقط على مستوى التشدّد في فكر الجماعة وأيديولوجيتها، لكنّه يلقي الضوء على طريقة إيران وتكتيكاتها المتبّعة في التغلغل داخل مجتمعات بعض بلدان المنطقة، عن طريق وكلائها الذين تناط بهم أدوار أخرى مكمّلة لدورهم في تأمين السيطرة الميدانية بقوّة السلاح.
وبهذا أصبح التعليم أداة فعالة ونقطة محورية في مدّ النفوذ الإيراني واستدامته بتوفير بنى فكرية وروافد اجتماعية له، وهو ما جعل للإيرانيين حضورا بارزا في التعليم بمناطق سيطرة الحوثيين في اليمن بكل مستوياته.
ولتكوين الكوادر اللاّزمة لتأمين عملية تعليمية هناك وفق المواصفات الإيرانية، تستقبل إيران كلّ سنة المئات من الطلاب اليمنيين للدراسة في مؤسسات معينة تختص بالتدريس الديني والأيديولوجي.
لا يرتبط استغلال العملية التعليمية فقط بأهداف إيران ونشر أيديولوجيتها وخدمة مشاريعها في المنطقة، ولكنّ الحوثيين أنفسهم يجدون مصلحة في ذلك، حيث يدركون استحالة مواصلة فرض سيطرة دائمة بالحديد والنار على الجزء الكبير الذي يحتلونه من اليمن، ولذلك يعملون على غزو عقول الناشئة بهدف تخريج جيل جديد مؤمن بأفكارهم السطحية التي لا تشكّل في حقيقة الأمر منظومة فكرية متماسكة تستطيع أن تكون أرضية لتجربة سياسية صالحة لحكم البلدان وإدارة شؤونها ومقدّراتها المادية والبشرية.
وطوال سنوات الحرب، أثبت الحوثيون قوّتهم القتالية لكنّهم أظهروا كذلك تماسكا تنظيميا كبيرا وقدرة على الإمساك بمفاتيح المجتمع بقبضة من حديد.
ويلاحظ متابعون للشأن اليمني أنّ الحوثيين يزدادون صرامة في فرض تعاليمهم على المجتمع بالتوازي مع تمكّنهم من فرض سلطتهم السياسية وقبضتهم الأمنية على المناطق التي يحتلّونها. وبحسب سكان في صنعاء، فإنهم يلاحظون في أعقاب أي انتصارات عسكرية تحققها جماعة أنصار الله تشدّدا اجتماعيا أكبر وشراسة في فرض رؤاهم السياسية والدينية بالقوّة على الأهالي.
وسبق لوزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أن اتّهم جماعة الحوثي “بمحاولة تجهيل المجتمع واستلاب إرادته” عبر اعتماد مناهج تعليمية محرفة في المدارس بمناطق سيطرتها، تخدم “الأجندة الإيرانية التخريبية”.
ويقول الإرياني إنّ الحوثيين يهدفون من وراء مناهجهم التعليمية المحرفة إلى غسل عقول الأطفال وتزوير التاريخ وإجراء فرز سياسي ومذهبي للكادر التعليمي.
ويقول الإعلامي والناشط الحقوقي اليمني همدان العليي إنّ ميليشيات الحوثي تختطف التعليم وتستغله لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية وطائفية، من خلال جملة من الأنشطة والإجراءات والممارسات.
وتشتكي نقابة المعلمين اليمنيين من أن الإيرانيين أصبحوا يشاركون بشكل مباشر في صياغة المناهج التي يعتمدها الحوثيون في مناطق سيطرتهم.
وتنتج عن ذلك برامج ومواد تعليمية ملغمّة بالدعوة إلى العنف وكراهية الآخر، تحضر فيها إيران باستمرار كمتصدّية لـ”مؤامرات” الغرب وحلفائه، كما تحضر فيها الميليشيات التابعة لها في المنطقة كقوى للخير في مواجهة الشرّ المطلق، يتعيّن على الطلاب والتلاميذ المتلقين مساندتها والتعاطف معها بل اتخاذها قدوة وتقليدها في ما تخوضه من حروب “مقدّسة”.
*مختصرالعرب