أحمد الجارالله : 100 عام والعرش الأردني صامدٌ بوجه الزلازل
لم يكن مُستغرباً أن تحسم، سريعاً، القيادة الأردنية محاولة انقلابية مُعقدة، خُطط لها طويلاً، وكانت تنفذ بهدوء، فهذا ليس جديداً على العرش الأردني، الذي طوَّع الكثير من المحن لمصلحته، وجعلها مصدر قوة، فمنذ أعلن الأردن إمارة في 11 أبريل عام 1921، مرَّ بكثير من المُنعطفات، ولهذا ما جرى في اليومين الماضيين لن يُغير من واقعه، ولا يفت بعضد قيادته وشعبه في مواجهة كل الأخطار التي تحيق به.
الامتحان الأصعب بتاريخ الأردن كان باغتيال الملك عبدالله بن الحسين في 20 يوليو 1951، فيما لم تكن جراح الحرب العربية– الإسرائيلية الأولى عام 1948 لا تزال تنزف سياسياً وديموغرافياً، وترخي بظلالها على الوضع الداخلي الذي وصل إلى حد كبير من التعقيد، وهو ما واجهه الملك حسين بن طلال بكثير من الصبر.
لقد عمل الملك الشاب حينها على التوفيق بين استقرار الداخل والحريق الإقليمي بحنكة، واستطاع في غضون سنوات قليلة أن يُعزِّز مؤسسات الحكم، ويوجد مناعة وطنية كبيرة، ظهرت فوائدها في ستينات القرن الماضي، حين اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية الأردن مأوىً لها، ومنطلقاً لتنفيذ عملياتها العسكرية، وهو ما أدى إلى استدراج إسرائيل لمُواجهة عسكرية حسمها سريعاً الجيش الأردنيُّ لمصلحته في معركة الكرامة عام 1968، فيما لم يكن مضى على “نكسة حزيران” سنة، وبعدها اندلعت مناوشات الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني عامي 1968و1971، التي انتهت إلى معارك “أيلول الأسود”، وخروج منظمة التحرير من الأردن.
النجاح في مواجهة كل تلك الأحداث، وقيادة بلاده في حقل ألغام إقليمي شائكٌ جداً إلى بر الأمان، جعلا من الملك حسين شخصية محورية، إقليمياً ودولياً، وقائداً له بصمته في الأحداث، غير أن التطورات التي شهدتها المنطقة طوال العقود الماضية كانت ترخي بظلالها على بلد محدود الإمكانات مثل الأردن، خصوصاً الأزمات في العقدين الماضيين، لاسيما في المجال الاقتصادي، وكان يُمكن أن تتحوَّل هذه الأزمة بركاناً لو لم تعمل القيادة الأردنية بحنكة وسرعة على مُعالجة بعض أسباب الأزمة، وتستفيد من الخبرة التي ورثها الملك عبدالله الثاني عن أبيه.
من نافلة القول إن في أي أزمة هناك مُتصيِّدون في الماء العكر، إما صباب قهوة في خيمة نصبت على تلال الأردن، يهذر بما لا يعرف، وإما ممن طوَّلوا لحاهم وقصَّروا أثوابهم واتخذوا الدين ستاراً لهم، وسعوا إلى العبث بأمن الأردن.
لا شكَّ أن هناك ثغرات عدة تركتها الأزمة الاقتصادية في سور الحماية الاجتماعية والسياسية، وهو ما كان على القيادة الأردنية العمل على سدها، عبر شراكات اقتصادية إقليمية ودولية تمنحها القدرة على تحديث بنيتها التحتية الصناعية والزراعية وتفتح أمامها أسواق العالم.
في العام 1994 أتيحت فرصة كبيرة أمام عَمّان بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل، إذ كان يُمكن أن يُشكِّل هذا الاتفاق بوابة لشراكة سلام وتوسيعها إقليمياً، والتفرغ لمعالجة المشكلات البنوية في الاقتصاد المحلي.
لكن على مبدأ “خير أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً”، فإن الوقت لم يفت، ولايزال مُتاحاً للعمل سريعاً، وأن يكون ذلك من لدن أعلى الهرم في القيادة، الملك عبدالله الثاني صاحب الثقافة الواسعة، والقدرة على الحوار، وعلاقاتها الدولية الكبيرة يُمكن توظيفها في إدارة الملف الاقتصادي، ما يقطع الطريق على كل من يتربص شراً بالأردن، الذي يُمثل استقرارُهُ بوابة استقرار الإقليم.