محمد يوسف : هجرة إجبارية
منذ سنوات، وبالتحديد بعد أن حوّل تجار المسلسلات دراما رمضان إلى مآسٍ ومناحات وتكرار ممل لقصص مبتورة لا ترتبط بواقع نعيشه أو تاريخ نتحدّث عنه. أقول لكم، اعتدت منذ سنوات عادة أعتبرها حسنة، وهي «هجرة» القنوات العربية، وتجنّب المتابعات اليومية لما تعرضه من مسلسلات حفاظاً على وقتي وأعصابي وذائقتي الفنية، فقط المتابعات الإخبارية هي ما أشاهده في المحطات التي لا تربطها أي علاقة بالدراما.
قبل الانحدار، وظهور ممثلين ومنتجين ومخرجين وإدارات قنوات تلفزيونية من الدرجة الثالثة، وتحكمهم بكل تفاصيل ما يعرض وما لا يعرض، وفرضهم لوجوه تصلح لعروض الأزياء ودعايات مواد التجميل وتلميع البشرة، وصرف مئات الملايين على من لا يستحق هذه التسمية، قبلها كان الوضع مختلفاً، كانت الأعمال «المتعوب» عليها تعد على أصابع اليد الواحدة في كل رمضان، ومع ذلك تكون علامة فارقة، يتنادى الناس لمشاهدتها، كتابها عمالقة الأدب العربي، وأبطالها «أيقونات» لا يجود الزمان بمثلها كثيراً، تتنوع أحداثها، وتختلف أزمانها، وتتنوع الفئات التي تستهدفها، قضايا اجتماعية تلامس حياة نعيشها، وتاريخ قريب أو بعيد يذكرنا بشيء افتقدناه ونسيناه، مسلسلات مصرية وسورية وخليجية، تنتقل بنا من حقبة إلى حقبة، ومن مراحل مررنا بها، نجد أنفسنا بين أحداثها، ونشاهد حقيقة كنّا بحاجة لمن يذكّرنا بها.
اختفى كل شيء، وبقي «الغث»، شطبنا الماضي، وزوّرنا في الحاضر، وقدّمنا أعمالاً ممسوخة، عن عمد وليس بحسن نية، ووجدنا من يصفق لهذا التراجع، إنهم يصفقون لأنفسهم، نفس المجموعة تتوزّع الأدوار، وتضحك على أمة تحوّل شهرها الفضيل المبارك إلى ساحة يلعبون فيها.
فيلم وثائقي في قناة متخصصة تخرج منه بفائدة تفوق ما يمكن أن تقدمه لنا الأعمال الدرامية العربية مجتمعة، ولولا بعض المحاولات من أشخاص مبادرين لزادت صدمتنا، فهؤلاء يحاولون فتح ثغرة وسط عتمة الدراما.