عبدالله الأيوبي : إثيوبيا تقود المنطقة إلى الهاوية
بيانُ الاجتماعِ الوزاري العربي الذي استضافته العاصمةُ القطريَّةُ الدوحة نهايةَ الأسبوعِ الماضي لم يحمل أيَّ جديدٍ في الموقفِ العربي إزاء الخلاف المصري السوداني مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، فهذا الموقفُ أكدته جميعُ الدول العربية منفردة أي أن أمنَ مصر والسودان المائي هو جزء من الأمنِ القومي العربي وأن من حق مصر والسودان الحصول على حقوقهما المائية من مياه النيل كاملة، فالبيان ينقصه موقف فعلي من هذا الخلاف، أي توجيه رسالة واضحة إلى الجانب الإثيوبي تلمحُ أو تتحدثُ بصراحةٍ عن موقفٍ عربي عملي داعم للأشقاء في مصر والسودان، غياب مثل هذا الوضوح العملي شجَّع أديس أبابا على التعنتِ أكثر وتأكيد إصرارها المضي قدمًا في عملية الملء الثاني ورفضها القاطع لبيان الاجتماع الوزاري العربي.
أيًّا يكن الموقفُ الأثيوبي فما هو واضح للجميع أن المواقفَ المصرية والسودانية إزاء التعنت الإثيوبي فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق مشترك وملزم لأطراف الخلاف بشأن طريقة الملء، يكشف عن أن القاهرة والخرطوم، حتى الآن لم تفقدا الأملَ في الحل الدبلوماسي لهذه الأزمة الخطيرة، من النواحي الأمنية والاقتصادية والمعيشية لشعوب الدول الثلاث ودول المنطقة بشكل عام، فالعاصمتان لم تغلقا الأبوابَ السياسية والدبلوماسية في وجه الوساطات والجهود الأفريقية أو الدولية وكذلك العربية، رغم وصولهما إلى ما يشبه القناعة من أن أديس أبابا تنتهج سياسةَ التسويفِ والمماطلة وتضييع الوقت بهدف وضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع حين تبدأ عملية الملء الثانية الخطيرة.
أديس أبابا تعرف، وهي على قناعة من أن مياه النيل بالنسبة إلى شعبي مصر والسودان هي بمثابة الحياة أو الموت، والقيادة الإثيوبية قرأت وفهمت جيدًا ما تعنيه رسالة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن الماء بالنسبة إلى مصر هو خط أحمر، وبأن القاهرة لن تفرط في قطرة ماء واحدة من حقوقها المائية في نهر النيل، الخط الأحمر الذي تحدث عنه الرئيس المصري لا يعني أن القاهرة شرعت في الاستعداد العسكري للحفاظ على حقوقها، لكن في نفس الوقت فإن الأصابع ستبقى على الزناد كي لا تأتي اللحظة التي تجد القاهرة والخرطوم نفسيهما أمام حد المقصلة الإثيوبية.
التصريحات الإثيوبية المتتالية بشأن هذه القضية تؤكد أن أديس أبابا ليست مكترثةً بالتخوفات المصرية والسودانية، وتكتفي فقط بإطلاق الوعود المرسلة من أنها لا تنوي الإضرار بمصالح الجيران من جراء ملء السد في مرحلته الثانية، لكن ما يثبت كذب هذه الوعود وعدم مصداقيتها، أن أديس أبابا ترفض أن تقرن هذه الوعود باتفاق ملزم لجميع الأطراف، فعدم القبول بالالتزام القانوني، يعني ترك الباب مفتوحا للتهرب والخروج من الإطار الجامع لهذه الأطراف في أي وقت شاءت أديس أبابا أو دفعت من قبل أطراف إقليمية لها مصلحة في الإضرار بمصر وبدورها الإقليمي.
تاريخيا فإن ارتباط المصريين بنهر النيل هو ارتباط معيشي وحياتي، بل وديني أيضا، فالمصريون القدماء اعتبروا نهر النيل هو مركز العلم وكان منبعه بالنسبة إليهم هي بدايته لذلك كانت قبلتهم نحو الجنوب، وكان النيل بالنسبة إلى الدولة المصرية القديمة هو بمثابة الحياة لدرجة أن مصر الفرعونية وضعت تقويما نيليا، كل هذا الارتباط التاريخي للمصريين مع النيل يجعل من مياهه بالنسبة إليهم مكانة حياتية ومعيشية مقدسة تمثل لمصر حاليا الخط الأحمر الأول الذي تحدث عنه الرئيس السيسي، لهذا فإن العبث الإثيوبي بحقوق مصر المائية في النيل من شأنه أن يطلق العنان لإجراء مصري غير محبذ بالنسبة إلى القاهرة حتى الآن.
عندما لا يكون أمام مصر من خيار سوى الضغط على الزناد لإنقاذ حياة شعبها من التعطيش الذي سوف تسببه السياسة الرعناء لإثيوبيا، حينها لن يلوم أحدٌ القاهرة على هذا الخيار، الدفاع عن النفس حق مشروع تجيزه جميع الشرائع الدولية، أضف إلى ذلك، فإن مصر لم تتحدث حتى الآن عن مثل هذا الخيار، وإن هي لم تستبعده أيضا، ولمحت إليه أكثر من مرة، وهي بمثل هذه السياسة إنما تفتح الأبواب أمام الجميع للإسهام والمساعدة على كبح جماح التعنت والمراوغة التي تسلكها أديس أبابا.
أي طرف محايد يقدر جيدا القيمة الاستراتيجية للمياه بالنسبة إلى بلدي مصب نهر النيل، سوف يدرك ويتفهم دوافع الإجراءات التي قد تلجأ إليها الدولتان في معالجة التهديد الذي تشكله السياسة الإثيوبية في هذا الشأن، ولن تشفع لأديس أبابا حجتها القائلة إنها أرض المنبع وأن من حقها أن تستفيد من مياهه كما تشاء ومن دون النظر إلى حق الآخرين في الاستفادة من هذه المياه بما يلبي احتياجاتهم المعيشية والاقتصادية، فما يجب أن تلتزم به إثيوبيا هو أن النيل تنطبق عليه الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالأنهار العابرة للدول، ولدول المصب حق الانتفاع من مياهه أسوة بدولة المنبع.
لا أحد يتمنى، والقاهرة والسودان في مقدمة هؤلاء، أن تشهد القارة الأفريقية صراعا عنيفا تكون أحد أطرافه واحدة من أكبر وأقوى دول القارة وأهمها من الناحية الاستراتيجية، ذلك أن صراعا من هذا النوع من شأنه أن يلحق الضرر الفادح بالجميع، ولتفادي وقوع مثل ذلك، يجب العمل على تصحيح الوضع القائم والحيلولة دون إلحاق الضرر بأمن مصر والسودان جراء العبث السياسي الإثيوبي، إذ ليس مقبولاً على الإطلاق أن تتصرف إثيوبيا بالطريقة التي تسلكها الآن من دون أن تضع في الاعتبار ما يسببه هذا التصرف من أضرار مستقبلية لجارتيها (مصر والسودان) في حين تستفيد وتتمتع أديس أبابا بمياه النيل على حساب الآخرين.