أحمد الجارالله : من ملوك الأندلس إلى ملوك العراق … هكذا سقطت الأسر الحاكمة
حين يدبُّ الخلاف في أسرة حاكمة، أياً وأينما كانت، فذلك دليل على أن الدولة ضلّت البوصلة، فإما أن يتيسر لها منقذ يوقف تدهورها، أو تذهب إلى التصدع تحت وطأة المشاحنات بين أبناء بيت الحكم.
هكذا كانت حال الممالك العربية الأندلسية، بل حتى في الجزيرة العربية قبل مئة عام ونيف، حيث أدت الصراعات بين الأسر الحاكمة إلى تمزيق الممالك والإمارات، ولم يوقف ذلك إلا قائد تاريخي هو الملك عبدالعزيز بن سعود، الذي أقام هذه الدولة العظيمة المستمرة باستقرارها وتطورها إلى يومنا هذا.
كذلك في الكويت أواخر القرن التاسع عشر، حين استطاع الشيخ مبارك الكبير وضع أسس إمارة مستقلة، رغم تكالب القوى الكبرى عليها، وقتذاك، وذلك بفضل توحيده قرار الأسرة الحاكمة.
قبل هذه وتلك، كانت مصر محمد علي باشا، رائد الحداثة في تلك الدولة الكبيرة، غير أن الصراعات التي نشأت بين أحفاده أوصلتها في عهد الملك فاروق إلى الانهيار، والأمر ذاته ينطبق على ليبيا.
ربما التجربة الإنكليزية أكثر وضوحاً في هذا الشأن، إذ بين القرنين السادس عشر والسابع عشر شهدت إنكلترا موجة من القلاقل بسبب الخلافات داخل بيت الحكم أدت إلى إعدام الملكة ماري عام 1558، لترث العرش شقيقتها إليزابيث الأولى، فعملت فوراً على توحيد الأسرة، وإخماد الحركات المعارضة التي كان يستقوي بها بعض الأمراء، ناذرة نفسها لوطنها، فعاشت بلا زواج، ولُقبت بالملكة العذراء، واستطاعت أن تحكم 49 عاماً.
بعد وفاة الملكة، نشبت خلافات الورثة على العرش مجدداً، فاتخذ كل منهم حليفاً، أكان من الشعب أو خارج الدولة، لذا وصل تشارلز الأول إلى سُدة السلطة ضعيفاً مكبلاً بتحالفاته التي أفضت إلى ثورة البرلمانيين بقيادة أوليفر كرومويل وإسقاط الملكية بإعدام الملك في العام 1649، غير أن الأمر لم يستمر طويلاً حتى اكتشف الشعب أن الجمهوريين ليسوا ثواراً من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الناس، بل هم طامعون في ثروات الدولة على حساب ترسيخ بؤس الفقراء.
في هذا الشأن، تكون العودة إلى التاريخ ضرورة لأن من لا يتعلم من تجارب الآخرين يغرق في أوهامه، فالمتربصون والأعداء وأصحاب المصالح، من زيد وعبيد، يُغلّفون خطابهم بما يدغدغ مشاعر الناس من شعارات برّاقة، فيما يكون همهم الأول والأخير هو الوصول على رقاب الضحايا الأبرياء إلى هدفهم، مهما كان الثمن.
لقد أدى ضعف العائلة الحاكمة العراقية إلى سقوطها في هاوية القتل والدم والسحل، لأن أفراداً من بيت الحكم فتحوا أبوابه على الصراعات بينما أدت التسويات المزغولة إلى وجود ملك ضعيف وولي عهد أضعف، فعهد بأمر الحكم إلى رئيس الوزراء نوري السعيد الذي لعب طوال وجوده في السلطة على التناقضات كي يبقى صاحب الكلمة الفصل في إدارة البلاد، وهو ما جعل الدولة تعيش عقوداً من القمع والقتل والتنكيل والتدهور الاقتصادي والمعيشي والفساد ونهب عشرات مليارات الدولارات.