محمد يوسف : بدايات التنوير
زمان، مع بدايات النهضة، وبروز الجيل الأول من المتعلمين، من يقرؤون ويكتبون، وبدء الابتعاث إلى الخارج، وانتشار الراديو ثم التلفزيون والمكتبات، واتساع دائرة الاطلاع والتعرف إلى ثقافات الآخرين وأحوالهم، فأبهرتنا الصور، وأعجبتنا الأشكال، وأغرتنا مظاهر التحضر، وتداخلت في رؤوسنا الأفكار، واختار الشباب التقليد، وخاصة تقليد الممثلين، والفتيات قلدن الممثلات، من عمر الشريف إلى يحيى شاهين.
ومن فاتن حمامة إلى ماجدة وشادية، ومن ذهب إلى السينما كان قدوته راج كومار أو أبطال أفلام الغرب، وتطايرت الرسائل الرومانسية، وكثر الوقوف عند «الدكاكين» أو «التسكع» أمام أبواب البيوت وحولها، مع حركات أحمد رمزي وشكري سرحان، ولم تخرج التصرفات عن العفوية والأدب، وبدأنا زماناً آخر مع عودة المبتعثين للدراسة في الجامعات والمعاهد العربية، الجيل المثقف، الذي عاد نصفه تقريباً متأبطاً ذراع عروسه ليكمل النقلة الحضارية والثقافية التي عاشها في تلك البلاد، وهي متقدمة علينا في ذلك الزمان.Volume 0%
ومع الخريجات، وتورط الأمهات في التعامل مع اختيارات الأبناء، حمل المبتعثون الأوائل أفكاراً التقطوها من المجتمعات التي درسوا فيها، وعبارات حفظوها، وأرادوا أن يحدثوا تغييرات فكرية وانتماءات سياسية في منطقة الخليج، وعاونتهم أفواج المدرسين العرب الذين استعنا بهم بعد انتشار المدارس، وهم في الغالب كانوا يتبعون فكراً معيناً من الأفكار السائدة في ذلك الوقت، وعرفنا البعثي والناصري القومي والاشتراكي والشيوعي التقدمي والثوري الذي لا يعجبه شيء والإخواني الذي يريد أن يعيدنا إلى الوراء، وشكل هؤلاء جميعاً حركة «تنويرية» وإن اختلفت المسارات، يمين أو يسار، تقدم أو تراجع، كل اتجاه يمثل تنويراً عند أتباعه الذين بدؤوا مرحلة استقطاب كانت الكتب المسربة وسيلتها الأولى، واتبعوا مفهوم «اقرأ وناقش» حتى تأتي مرحلة الإقناع، ورغم مساوئ تلك التصرفات ومخاطرها لا ننكر أننا استفدنا من قراءة الفكر الذي استوردوه، فقد تحصنا ضده.