السيد زهــره : القرار.. قرار شعب
قبل أيام بثت محطات التلفزيون المصرية فيلما وثائقيا مدته أكثر من ساعة عنوانه «القرار.. قرار شعب».
الفيلم تم إعداده بمناسبة مرور ثماني سنوات على ثورة 30 يونيو، ويوثق لجرائم الإخوان ولمواقف المواطنين المصريين من مختلف المحافظات ولمشاركاتهم في الثورة.
عنوان الفيلم موفق تماما.
هناك اعتقاد شائع لدى الكثيرين بأن الجيش المصري هو الذي أسقط حكم الإخوان. وهذا ليس صحيحا. الشعب المصري هو الذي قرر إسقاط الإخوان وإنهاء فترة حكمهم. الشعب المصري هو الذي خرج في ثورته الكبرى في 30 يونيو كي ينهي هذا الحكم. والجيش وقف مع الشعب في قراره.
أمريكا في عهد أوباما والدول الأوروبية لم يدركوا هذه الحقيقة في ذلك الوقت وتحدثوا عن انقلاب عسكري في مصر، واحتاجوا الى فترة طويلة كي يدركوا أن الذي أسقط الإخوان ثورة شعبية وليس الجيش وحده.
الشعب المصري بتاريخه العريق وعمقه الحضاري أدرك أن الدولة المصرية في خطر بكل مؤسساتها ومقوماتها الحضارية وهويتها إن استمر حكم الإخوان، فخرج في ثورته العارمة في 30 يونيو.
كانت ثورة إنقاذ للدولة المصرية.
الذي يعرف تاريخ الشعب المصري يدرك أنه في اللحظات التاريخية الفاصلة وحين يستشعر خطرا يهدد الدولة يتحرك فورا بشكل تلقائي فطري للدفاع عنها.
حدث هذا مثلا في أعقاب هزيمة يونيو 1967 حين أعلن جمال عبدالناصر التنحي عن السلطة. بشكل تلقائي خرج الشعب عن بكرة أبيه يطالبه بالبقاء في السلطة. يخطئ من يظن أن الشعب فعل هذا من أجل عبدالناصر كشخص. ويخطئ من يظن أن خروج الشعب كان تبرئة لعبدالناصر من مسؤوليته عن الهزيمة. الشعب أدرك بحسه الفطري أنه بعد هذه الهزيمة القاسية من الممكن أن تنهار الدولة المصرية إن لم يتماسك ويقرر الصمود دفاعا عن الوطن.
بنفس هذه الروح وهذا الحس الحضاري تحرك الشعب في ثورة 30 يونيو. ثار الشعب ليستعيد الدولة الوطنية المصرية وينقذها من مصير مظلم.
بالطبع اتخذ جيش مصر الوطني موقفا تاريخيا عظيما حين انحاز إلى ثورة الشعب وتحرك معه لاستعادة الدولة وإنقاذها على النحو الذي بات معروفا.
الحقيقة، أنه كلما مرت السنين نعيد اكتشاف ثورة 30 يونيو مجددا وكيف أنها كانت فعلا من أعظم الثورات في تاريخ مصر.
كلما مر الوقت نكتشف جوانب وأبعادا جديدة لم نكن نعرفها من قبل عن جرائم الإخوان وعن مخططاتهم السوداء وعن المصير المأسوي الذي كان ينتظر مصر، دولة ومجتمعا وحضارة، لو استمر حكمهم فترة أطول. وبالتالي نكتشف مجددا الدور التاريخي المهول للثورة ولجيش مصر معها.
وكما كتبت أكثر من مرة من قبل بأنه من الأهمية بمكان توثيق ووقائع وتطورات الخطر الذي هدد الدولة من جانب الإخوان وغيرهم بكل سبل التوثيق الممكنة سواء عبر الأعمال الوثائقية والفنية مثل هذا الفيلم، أو عبر حرص الكتاب والباحثين على هذا التوثيق.
هذا التوثيق له أهمية كبيرة حفظا لوقائع التاريخ أولا قبل أن يطويها النسيان أو تتعرض للتشويه، وتكريسا للوعي الوطني ثانيا لدى الأجيال الجديدة والقادمة، ثم إنه بالنسبة إلى مصر وكثير من الدول العربية، فإن الأخطار التي تتعرض لها الدولة لم تنته.
مخططات تدمير دولنا العربية وتفكيكها من دول وقوى أجنبية وداخلية موجودة وسيحاولون تنفيذها في أي فرصة مواتية. ولهذا من الأهمية التاريخية بمكان الحرص على تكريس الوعي الوطني العام المدرك لأبعاد هذه المخططات وبالدور الوطني الذي يجب أن يتحمله الكل حفاظا على الدولة الوطنية ودفاعا عنها.