رأي في الحدث

أحمد الجارالله : من قابوس إلى هيثم … السعودية أولاً


تعتبر أولى الزيارات الخارجية لسلطان عمان هيثم بن طارق إلى المملكة العربية السعودية خطوة نحو المستقبل الذي تتطلع إليه شعوب دول “مجلس التعاون” من واقع ميثاق المجلس الداعي إلى التكامل بين الدول الست، إضافة إلى أنها تأتي في ظروف دولية وإقليمية حساسة جدًا، تستدعي استمرار التشاور بين الأخوة للوصول إلى رؤية واحدة تساعد على تطوير الآليات المشتركة، لتحقيق الهدف الستراتيجي للمجلس.
في هذه الزيارة تحققت الخطوة الأولى من التكامل عبر إنشاء مجلس تنسيق سعودي- عماني، وهو يشكل مع مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي الركن الثالث في خلق نموذج استثنائي للتكامل والتعاون الخليجي على المستويين، الإقليمي والعربي.
ولا شك أن هذا التكامل لا يمكن أن يتحقق إلا بأيدٍ وطنية، وهو ما يحتم الاستفادة من الأدمغة الخليجية التي درست في أرقى الجامعات الوطنية والأجنبية، وتوظيفها لخدمة المنظومة ككل، وبهذه المناسبة لا بد من التذكير أن السلطنة كانت السباقة في هذا المضمار، فهي منذ انطلقت مسيرة نهضتها في سبعينيات القرن الماضي، جعلت الاعتماد الكلي على أبناء الوطن، هدفها الستراتيجي عبر تشجيع العمانيين على العمل في شتى المهن، لذلك لم تكن هناك أي اختلالات في التركيبة السكانية، مثلا، ولا نزوح للرساميل الوطنية إلى الخارج.
على المنوال ذاته سارت المملكة العربية السعودية، التي سجلت في السنوات الأخيرة أكبر عدد من الطلاب المبتعثين إلى الخارج، إضافة إلى عشرات آلاف الدارسين في الجامعات الوطنية، وكل هذا يجري بموازاة عملية توطين وظيفي مدروسة، مع تسهيلات كبرى للاستثمارات الوطنية والأجنبية.
هذا التشابه بين سياستي البلدين يشكل الأساس في رؤيتيهما (“السعودية 2030”) و(“وعمان 2040”) إضافة إلى القاعدة الثالثة في المجلس وهي دولة الإمارات العربية المتحدة التي أطلقت مجموعة كبيرة من المشاريع الستراتيجية في السنوات الأخيرة، لتشكل كلها خارطة الطريق إلى “مجلس تعاون” عصري، واقتصاد أكثر رسوخًا، محمي بمظلة أمنية وعسكرية خليجية.
من هنا تأتي الزيارة التاريخية للسلطان هيثم بن طارق إلى المملكة لتفتح الآفاق لمزيد من علاقات الشراكة الستراتيجية بين البلدين، وتكون حلقة في سلسلة التنسيق بين بقية دول المجلس من أجل السير بخطى ثابتة إلى الاتحاد الذي كان المغفور له الملك عبدالله بن عبد العزيز، رحمه الله، أول من نبه إلى أهميته في قمة الرياض عام 2011، وتأكيده حينها أن”التجارب علمتنا ألا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك فسيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع، لذلك بات علينا أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر”.
لا شك أن السعودية وعمان وبكل ما تمثلانه من ثِقل تاريخي وديبلوماسي وجيوسياسي وستراتيجي، فضلًا عن الإمكانات الاقتصادية والعلاقات الدولية، يمكنهما ممارسة دور كبير جدًا في عملية التطوير هذه التي بدأت من “نيوم” مدينة المستقبل الخليجي ككل.
يبقى القول إن أولى زيارات المغفور له السلطان قابوس، رحمه الله، إلى الخارج كانت إلى المملكة عام 1971، وأولى زيارات السلطان هيثم بن طارق إلى الخارج كانت أيضا للمملكة لما تمثله من عمق ستراتيجي لكل شقيقاتها الخليجيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى