رأي في الحدث

جعفـرعباس : أحسنوا اختيار الأسماء (1)

يحث‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬الأسماء‭ ‬الحسنة‭ ‬للأبناء،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الصحيح‭ ‬قول‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬إنكم‭ ‬تدعون‭ ‬يوم‭ ‬القيام‭ ‬بأسمائكم‭ ‬وأسماء‭ ‬آبائكم،‭ ‬فحسنوا‭ ‬أسماءكم،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الولد‭ ‬على‭ ‬الوالد‭ ‬أن‭ ‬يحسن‭ ‬أدبه‭ ‬ويحسن‭ ‬اسمه،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬نبوي‭ ‬ثالث‭ ‬قوله‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬من‭ ‬ولد‭ ‬له‭ ‬ولد‭ ‬فليحسن‭ ‬اسمه‭ ‬وأدبه‭.‬

وحسن‭ ‬اختيار‭ ‬الاسم‭ ‬ضروري‭ ‬للقرى‭ ‬والمدن‭ ‬وحتى‭ ‬الكلاب،‭ ‬ومازلت‭ ‬احتفظ‭ ‬بقصاصة‭ ‬بلا‭ ‬تاريخ‭ ‬تحوي‭ ‬مقالا‭ ‬للأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬المغلوث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬خسارة‮»‬‭ ‬تكبدتها‭ ‬الأحساء،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬مناطق‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وأكثرها‭ ‬خصوبة‭ ‬وبحبوحة‭. ‬والـ«خسارة‮»‬‭ ‬التصقت‭ ‬بحي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المبرز‭ ‬‮«‬أبرز‮»‬‭ ‬مدن‭ ‬الأحساء‭.. ‬يعني‭ ‬الحي‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬خسارة‮»‬‭.. ‬وأول‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬بعد‭ ‬قراءة‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الدكتور‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬المبرز‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭ ‬بوصفها‭ ‬مرتع‭ ‬صباه‭ ‬ومهد‭ ‬معظم‭ ‬ذكرياته،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬‮«‬خسارة‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬عندي‭ ‬أنه‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬عامدا‭ ‬متعمدا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتحول‭ ‬ذلك‭ ‬الاسم‭ ‬إلى‭ ‬ذخيرة‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬من‭ ‬ظل‭ ‬يجلدهم‭ ‬بأشعاره‭ ‬الهجائية‭ ‬الإخوانية‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬الراحل‭ ‬المقيم‭ ‬يوسف‭ ‬الشيراوي‭ ‬والشاعر‭ ‬طويل‭ ‬اللسان‭ ‬والباع‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬رفيع،‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬جسر‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬و«ضحاياه‮»‬‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬السعودية‭.. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬فقد‭ ‬نالني‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬القصيبي‭ ‬الكثير‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬كتب‭ ‬أرجوزة‭ ‬يتهمني‭ ‬فيها‭ ‬بأنني‭ ‬سبب‭ ‬كل‭ ‬العلل‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬زوجتي،‭ ‬واحتفظ‭ ‬أهل‭ ‬زوجتي‭ ‬بالأرجوزة‭ ‬كمستند‭ ‬قانوني‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬سمعوا‭ ‬أنني‭ ‬أعتزم‭ ‬مقاضاتهم‭ ‬مطالبا‭ ‬بالمبالغ‭ ‬التي‭ ‬أنفقتها‭ ‬على‭ ‬علاج‭ ‬زوجتي‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬العلل‭ ‬‮«‬وراثية‮»‬‭ ‬وسابقة‭ ‬لزواجي‭ ‬بها،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬بالتالي‭ ‬تحميلي‭ ‬كلفتها‭ ‬وتبعاتها‭!! ‬وقد‭ ‬حاولت‭ ‬استئجار‭ ‬شعراء‭ ‬من‭ ‬الباطن‭ -‬جريا‭ ‬وراء‭ ‬العادة‭- ‬للرد‭ ‬على‭ ‬القصيبي‭ ‬ولكنهم‭ ‬طالبوا‭ ‬بمبالغ‭ ‬تفوق‭ ‬ما‭ ‬أنفقته‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬أنفقه‭ ‬على‭ ‬علاج‭ ‬زوجتي‭!‬

والشاهد‭ ‬فيما‭ ‬كتبه‭ ‬المغلوث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬نطلقها‭ ‬على‭ ‬بلداتنا‭ ‬وقرانا‭ ‬وشوارعنا‭ ‬تتسم‭ ‬بالسماجة‭ ‬والسخف‭ ‬والركاكة‭ ‬وتفتقر‭ ‬الى‭ ‬البعد‭ ‬التاريخي‭ ‬او‭ ‬الثقافي‭!! ‬ماذا‭ ‬تقول‭ ‬يا‭ ‬مغلوث‭ ‬في‭ ‬اسم‭ ‬وطني‭ ‬‮«‬السودان»؟‭ ‬كان‭ ‬‮«‬السودان‮»‬‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬القريب‭ ‬وبالتحديد‭ ‬منذ‭ ‬ان‭ ‬عرف‭ ‬الرحالة‭ ‬والتجار‭ ‬العرب‭ ‬الطريق‭ ‬الى‭ ‬المنطقة‭ ‬الواقعة‭ ‬جنوب‭ ‬مصر‭ ‬والصحراء‭ ‬الكبرى‭ ‬يعني‭ ‬اهل‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬السود،‭ ‬وبلاد‭ ‬السودان‭ ‬كانت‭ ‬تعني‭ ‬بلاد‭ ‬الشعوب‭ ‬السوداء‭ ‬من‭ ‬الحبشة‭ ‬شرقا‭ ‬الى‭ ‬السنغال‭ ‬غربا،‭ ‬وجاء‭ ‬الاستعمار‭ ‬وجعل‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬صارت‭ ‬الخرطوم‭ ‬عاصمته‭ ‬‮«‬السودان‭ ‬الانجليزي‭ ‬المصري‮»‬‭ ‬بحكم‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬مستعمرة‭ ‬بريطانية‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬التاج‭ ‬المصري‭ ‬غطاء،‭ ‬وصارت‭ ‬تشاد‭ ‬ومالي‭ ‬وغينيا‭ ‬والنيجر‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ (‬فولتا‭ ‬العليا‭ ‬سابقا‭) ‬السودان‭ ‬الفرنسي‭.. ‬والسودان‭ ‬يعني‭ ‬الشعوب‭ ‬السوداء‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬اسم‭ ‬بلد‭ ‬معين،‭ ‬ولأن‭ ‬السودان‭ ‬الحالي‭ ‬سبق‭ ‬بقية‭ ‬السودانات‭ ‬في‭ ‬نيل‭ ‬الاستقلال،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬بكل‭ ‬براءة‭ ‬وسذاجة‭ ‬اسم‭ ‬السودان‭ ‬وصار‭ ‬البلد‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يشتق‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬لون‭ ‬سكانه‭. ‬وغيرت‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬أسماءها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بينما‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬انشغلنا‭ ‬بتغيير‭ ‬الحكومات‭ ‬بالقوة‭ ‬وغيرنا‭ ‬علم‭ ‬وشعار‭ ‬دولتنا‭ ‬وأبقينا‭ ‬على‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬يصف‭ ‬لون‭ ‬بشرتنا،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬مفروض‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬ثم‭ ‬ابتكرنا‭ ‬الجنجويد‭.. ‬وإذا‭ ‬عانت‭ ‬الاحساء‭ ‬من‭ ‬الخسارة‭ ‬فقد‭ ‬عانينا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬الذباب،‭ ‬وفي‭ ‬عاميتنا‭ ‬فنحن‭ ‬نقلب‭ ‬الذال‭ ‬الى‭ ‬ضاد‭ ‬ونقول‭ ‬ضَنَب‭ (‬ذنب‭) ‬الحمار‭ ‬وكانت‭ ‬ضاحية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الخرطوم‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬أم‭ ‬ضُبان،‭ ‬والضبان‭ ‬عندنا‭ ‬هو‭ ‬الذباب،‭ ‬واشتهرت‭ ‬تلك‭ ‬الضاحية‭ ‬بـ«نار‮»‬‭ ‬القرآن‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬نارا‭ ‬ظلت‭ ‬مشتعلة‭ ‬قرابة‭ ‬قرنين‭ ‬يجتمع‭ ‬حولها‭ ‬الصغار‭ ‬لتعلم‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬ضوئها،‭ ‬وبقيت‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬الكهرباء،‭ ‬محافظةً‭ ‬على‭ ‬إرث‭ ‬ذي‭ ‬دلالات‭ ‬وتم‭ ‬تغيير‭ ‬الاسم‭ ‬الى‭ ‬‮«‬أم‭ ‬ضواً‭ ‬بان‮»‬‭.. ‬ذات‭ ‬الضوء‭ ‬الذي‭ ‬بان‭ ‬اي‭ ‬ظهر‭.. ‬وفي‭ ‬الجزائر‭ ‬المسلمة‭ ‬هناك‭ ‬بلدة‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬الأصنام‮»‬‭.. ‬ونواصل‭ ‬بعد‭ ‬الفاصل‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى