رأي في الحدث

د. نعمة جعجع : يومنا أصبح بلا غد

تسعة أشهر مليئة بالأوجاع، أمضيناها في انتظار ولادة حكومة توقف تدحرجنا إلى القعر وتنتشلنا من المستنقع الذي علقنا فيه، حكومة تحظى بثقة اللبنانيين قبل أن تنال ثقة ممثليهم في المجلس النيابي، وتستعيد بعدها ثقة المجتمع الدولي علّه يهبّ إلى نجدتهم لإلتقاط أنفاسهم، لكن بصيص الأمل اختفى لتحلّ محله خيبة الأمل. 
في موعد الولادة المنتظرة أطلّ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة من مقرّ رئاسة الجمهورية في بعبدا معلناً ببضع كلمات إعتذاره عن تشكيل الحكومة بسبب التباين الجوهري مع رئيس الجمهورية، ثم أطلّ قي ذات اليوم في مقابلة تلفزيونية ليتوسع في شرح ما حصل. فاكتشف اللبنانيون أنهم وصلوا فعلاً إلى طريق مسدود لأنه عندما يصبح الآخر في نظر كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف شراً مطلقاً تنعدم آمال النجاح وتتحول الحكومة الموعودة إلى سراب، فتغيب السياسة وتصبح التسوية مستحيلة.
عدنا إلى نقطة الصفر، إلى محطة الإنتظار بعد أن اصطدمت أحلامنا بواقعنا المرّ وتأكدنا أن الطبقة السياسية لا زالت في غربة عن مطالب اللبنانيين المحقة التي كانت عنواناً للإنتفاضة التي انطلقت في 17 تشرين الأول 2019 في مشهد مؤثر لما جسّده من أبهى مظاهر التماسك الإجتماعي، والأشد إيلاماً أن أهل الحكم جميعاً تبنوا تلك المطالب بكاملها لكنهم لم يفعلوا شيئاً لتحقيقها أو التنحي وتسهيل تبؤ غيرهم سدّة المسؤولية. كما تأكدنا إستحالة ولادة الحكومة المطلوبة بعد مسلسل المآسي التي لها أول وليس لها آخر، وأدركنا أننا بحاجة إلى إتحاد حكومات ضمنه حكومة للداخلية، وأخرى للخارجية، وواحدة للعدل، وغيرها للطاقة، والإتصالات، والدفاع، وأنه علينا الإتيان بوزراء إختصاصيين وتكنوقراط وسياسيين وتقليديين وذكور وإناث، وثوار ومنتفضين وشيوخ، وربما التفتيش عن مجانين لأخذ الحكمة من أفواههم. 
وزن الولادة المتعسرة لحكومة متمكنة أصبح أكبرمن وزن المآسي، التي بدأت بانفجار الرابع من آب مروراً بانهيار الليرة اللبنانية وصولاً إلى الأزمة الإقتصادية التي تشتد وتلتف حول أعناق اللبنانيين، ما يفرض على الحكومة أن يكون بيانها الوزاري خطة متكاملة لا مجرّد ورقة. ولكن الأسف أن الحكومة أصبحت هي القضية الأساسية للسياسيين ومعركة أحجام وأوزان، فيما أوجاع الناس بغياب الدواء والغذاء باتت من التفاصيل، وهذه مرارة ما بعدها مرارة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى