السيـد زهــره : أفغانستان والهمجية الأمريكية
كنا، كما كان العالم كله، شهودا وقت أن قامت أمريكا بغزو واحتلال أفغانستان قبل أكثر من عشرين عاما.
نتذكر جميعا جيدا جدا ماذا قالت أمريكا في ذلك الوقت وكيف بررت الغزو والاحتلال. نتذكر كيف ملأت إدارة جورج بوش الابن العالم حديثا عن الحرية التي تريد أن تجلبها للشعب الأفغاني، وكيف أنها تريد أن تخلص أفغانستان من الإرهاب والتطرف والعنف والتخلف الذي يمثله تنظيم القاعدة وحركة طالبان التي تحتضن التنظيم، وإنها تريد أن تساعد الأفغان في بناء دولة حديثة.. وهكذا.
لنتأمل اليوم، ما الذي انتهى إليه مصير أفغانستان وماذا فعلت أمريكا، وما الذي انتهت إليه تلك الشعارات الأمريكية الشهيرة بعد أكثر من عشرين عاما من الغزو والاحتلال، وبعد أن انسحبت أمريكا.
بمجرد أن أعلنت إدارة بايدن بدء سحب قواتها من أفغانستان ظهرت حركة طالبان كقوة كبرى مهيمنة لا تقهر، تمتلك إمكانيات عسكرية عجيبة واجتاحت المدن الأفغانية في مواجهة انهيار كامل للجيش الأفغاني وغياب كامل للحكومة، ولن يمضي وقت طويل قبل أن تستولي على العاصمة كابول وتتولى حكم أفغانستان، ومع حكمها ستدخل أفغانستان في حقبة جديدة من العنف والدم والأفكار والسياسات الظلامية. وبالطبع مع حكم طالبان ستعود القاعدة بكامل قوتها وستعمل في مناخ آمن.
هذه هي نفسها طالبان التي تعهدت أمريكا قبل عشرين عاما بالقضاء عليها وعلى كل الجماعات الإرهابية وبناء دولة حديثة.
ماذا يعني كل هذا الذي يجري في أفغانستان اليوم؟
يعني ببساطة شديدة أن أمريكا وعلى امتداد عشرين عاما لم تفعل أي شيء لأفغانستان والشعب الأفغاني.. لم تقدم له أي خير من أي نوع كان.. لم تقض على إرهاب أو جماعات متطرفة.. لم تساعد في بناء حكومة قوية غير فاسدة.. لم تساعد في بناء جيش أفغاني قوي.. لم تضع أي أساس من أي نوع لبناء دولة حديثة.. وهكذا. حقيقة الأمر أن أمريكا لم تترك لأفغانستان سوى الخراب والدمار.
الأمر الذي يبدو غريبا لأول وهلة أن قادة أمريكا لا يشعرون بأي ندم أو إحساس بالذنب على الإطلاق مما فعلوه بأفغانستان والمصير الذي انتهى إليه الشعب الأفغاني.
الرئيس الأمريكي بايدن قال ببساطة في مواجهة الانتقادات للانسحاب الأمريكي إنه ليس نادما على الإطلاق. وبمنتهى البرود والبلادة قال إننا «لم نذهب إلى أفغانستان لبناء دولة».
نسي بايدن أن بوش حين احتل أفغانستان قطع وعدا علنيا «بتحويل أفغانستان إلى دولة حداثية».
بايدن يقول بهدوء شديد إن أمريكا لا يعنيها أن تكون في أفغانستان دولة، ولا يعنيها أن تستولي طالبان على الحكم وتفعل بالأفغان ما تشاء.
ووصل الأمر إلى حد أن أمريكا بعد أن اقتربت طالبان من كابول بدأت تتفاوض معها وترجوها ألا تحتل السفارة الأمريكية في كابول حين تدخل العاصمة، وفي مقابل هذا وعدتها بتقديم المساعدات لها لاحقا حين تتولى الحكم.
حقيقة الأمر أن كل هذا لا غرابة فيه. الذي يعرف تاريخ أمريكا في تعاملها مع دول وشعوب العالم، وبالأخص في حال الغزو والاحتلال كما حدث في أفغانستان أو العراق، يعرف أنها قوة همجية بكل ما تعنيه الكلمة.. قوة بلا قلب وبلا ضمير. هذه الهمجية مترسخة منذ فجر التاريخ الأمريكي.
بالمناسبة ليس هذا كلاما إنشائيا. سبق لي قبل سنوات طولية أن ناقشت هذه القضية في تحليلات مطولة مهمة تحت عنوان: «موجز تاريخ الهمجية الأمريكية».
قادة أمريكا يتوارثون «جينات الهمجية» جيلا بعد جيل، وهم أوفياء لهذا الإرث.
التاريخ الحديث والمعاصر خير شاهد على هذا. هل نتحدث مثلا عن إبادة عشرات الآلاف في هيروشيما ونجازاكي بالقنابل النووية؟.. هل نتحدث عن حرب الإبادة في فيتنام؟.. هل نتحدث عن جرائم الحرب والإبادة في العراق التي أدت إلى تدمير بلد وقتل وتشريد الملايين؟
نريد أن نقول إنه إن تترك أمريكا أفغانستان والأفغان لهذا المصير المظلم بلا أي إحساس بالذنب فإنه ليس أمرا غريبا أبدا.