علي الصراف : قرار سعودي شجاع في عين الحقيقة بلبنان
الأزمة في لبنان أزمة وجودية ومن لا يفهم هذه الحقيقة لا يستطيع أن يزعم أنه يفهم أي شيء وهي تتطلب معالجات جذرية لأن أي شيء أقل سوف يعيد تدوير عجلات الفساد في ماكينة النظام.
لو أن كل دول العالم اتخذت الموقف نفسه الذي اتخذته السعودية حيال الأزمة في لبنان، فإن الأوضاع المأساوية في هذا البلد يمكن أن تتوقف عند حد.
السعودية غسلت يديها الاثنين من كل طواقم السياسة فيه، بمن فيهم ابنها البار سعد الحريري. وقررت الامتناع عن تقديم أي مساعدات للبنان، ما بقي حزب الله هو الحاكم الفعلي في البلاد، وما بقيت طواقم السياسة فيه تأخذ دوره الحاسم في صنع القرار بعين الاعتبار.
لبنان، من وجهة نظر السعودية، بلد خاضع لاحتلال كتيبة من كتائب الحرس الثوري الإيراني. معظم اللبنانيين يتبنون وجهة النظر نفسها، إلا أنهم لا يريدون، لأسباب حياتية، التعامل مع بلدهم كقطعة أرض محتلة من جانب إيران.
ولكن ماذا تفعل إذا كان هذا هو الواقع؟ ماذا تفعل إذا كانت كل مفاعيل الأزمة الراهنة لم تحرك شعرة خجل تحت عمامة حسن نصرالله؟ ماذا تفعل إذا كان حلفاؤه في قصر بعبدا، ومَنْ هم خلف ستائره، يريدون أن يحافظوا على نفوذهم، حتى ولو سارت البلاد بعينين مفتوحتين إلى جهنم؟
وهل تنتظر من الرئيس ميشال عون أن يندى جبينه بقطرة حياء عندما يطلب تارة “الثلث المعطل” ثم تارة أخرى يرفع السقف إلى النصف، ويعود لينكر في العلن ما يطلبه في الخفاء؟
طبقة البيض الفاسدة هذه تريد أن تحكم، بمال الغير أيضا. لا تسأل أين ذهب الحياء. إنها تريد أموال دعم خارجية لإقالة لبنان من محنته الاقتصادية، من دون أن تتخلى عن سلطة صنع القرار. تريد أن تأتي برئيس وزراء “مقبول” ويمكنه تسويق طلب المال، ولكن بحكومة يتم تسمية وزرائها من قبل عون ونصرالله وجبران باسيل.
أبناء الضلالة هؤلاء يريدون أن يحققوا لإيران نصرين. الأول، أن تواصل هيمنتها على لبنان وتقرر المصائر فيه. والثاني، أن يعودوا ليأكلوا ما ظلوا يسحتون فيه.
أن تمتد المقاطعة إلى سعد الحريري، يعني أن السيل بلغ الزبى في حاجة هذا الرجل إلى المساومات مع الذين قتلوا أباه. السعودية تتفهم أن للعبة قواعد في لبنان. لكنها ضاقت بها ذرعا.
الأزمة في لبنان أزمة وجودية. من لا يفهم هذه الحقيقة، لا يستطيع أن يزعم أنه يفهم أي شيء. وهي تتطلب معالجات جذرية، لأن أي شيء أقل سوف يعيد تدوير عجلات الفساد في ماكينة النظام.
المبادرة الفرنسية قامت على أساس تشكيل حكومة اختصاصيين لا يدينون بشيء لأحد. ودعمتها السعودية بإخلاص، ورأت فيها مخرجا معقولا. ولكن ماذا حدث؟ لقد تم إفساد المبادرة، أولا، بمحاولات تدوير الزوايا بالنسبة إلى التعيينات. وتاليا، وكلما ضاق الخناق أكثر، بأن تم تحويل تدوير الزوايا إلى عودة جديدة لنظام المحاصصات.
الوجه الحقيقي لتلك المحاولات هو أن قوة الاحتلال كانت تضغط على الضحية، وتنتظر ممن يقفون وراء المبادرة الفرنسية أن يتراجعوا هم عن اشتراطاتهم لتقديم أموال الدعم.
شيءٌ يشبه اتخاذ رهينة، والتهديد بذبحها، ما لم يتم تقديم المساعدات بشروط الخاطفين، وبما يضمن لهم الحق في أن يستأنفوا اختطاف الدولة متى ما أرادوا ذلك. هذا هو “الثلث المعطل”.
والمساومة فيه، أو من حوله، تعني قبولا بما انتهت إليه سياسات الاختطاف.
السعودية ليست مضطرة إلى القبول بحال مثل هذا. ولا أي أحد. إلا الذين يريدون في الواقع التواطؤ مع إيران.
إيران المفلسة تريد أن تواصل احتلالها للبنان بأموال الغير. شيء غريب. ولا تسأل أين ذهب الحياء. فهذا بلد لم يعرف معنى الحياء منذ أن تولته عمائم البغاء والاستغباء الطائفي.
مع إعلان مصرف لبنان عجزه عن تمويل دعم المحروقات، أعلن الرئيس عون أنه “استدعى” حاكم مصرف لبنان. ربما لكي يؤنبه أو يحاسبه. كان الأولى به أن “يستدعي” نجيب ميقاتي ليقول له “أسعفنا بما تراه”.
ماذا يملك رياض سلامة أكثر من الأرقام؟ هل يستطيع أن يزعم توفر أموال تبددت في خضم الفشل؟
كان مصرف لبنان يملك ثلاثة أضعاف ما يملكه الآن عندما تمت تولية حسان دياب لرئاسة الحكومة في أكتوبر 2019. وظل المال يتبدد في نظام فساد محكم الأركان.
استقال الحريري على وقع التظاهرات التي تطالب بالإصلاح، فجاء جنرالات الاحتلال بدياب لكي يفلتوا من الاستحقاق.
لقد كان دياب رجل حزب الله والرئيس عون. رجل الاحتلال الإيراني. رئيس آخر لـ”حكومة فيشي” أخرى من وجهة نظر النازية الطائفية الإيرانية (والجنرال عون، ليس سوى نسخة من الجنرال فيليب بيتان الذي عينه الألمان ليحكم فرنسا في خضم الاحتلال).
اليوم لا يملك المصرف المركزي سوى 16 مليار دولار. وهي لا تكفي لمصروفات الحكومة لعام واحد. وبعدها يختفي لبنان. يتحول إلى غابة. يعود إلى عصر ما قبل اكتشاف النار.
حسن نصرالله رتب أموره سلفا على هذا الأساس. أقام نظاما خاصا به للجمارك وتملك جمهوريته الإسلامية معابر خاصة بها، ولها جيشها الخاص، ونظام لتوزيع المعونات، وأدوية فاسدة تأتي من إيران، ومحروقات تتبرع بها الميليشيات التابعة للولي الفقيه من نفط العراق. كل شيء تمام بالنسبة إليه. وسواء تشكلت حكومة إنقاذ أم لم تتشكل، فإنها لا تفرق شيئا بالنسبة إلى امتيازات دولته. ولو احترق لبنان، فماذا يمكن لذلك أن يعني؟ لا شيء.
عون لا يمارس الإنكار عندما يطلب شيئا ويقول إنه لم يطلبه. وهو ظل “اقتصاديا” مع الحقيقة، منذ أن أنكر قيام الحريري بتقديم لائحة وزراء مقترحين لحكومته. اتهم الحريري بالكذب، ولسان حاله يقول “شوفوا كم أني جريء”. منذ تلك اللحظة سقطت قطرة الحياء.
إنه لا يمارس الإنكار، بل يمارس الفاحشة حيال مصائر اللبنانيين. الجنرال بيتان رغم أنه استسلم للنازي، إلا أنه، بخيانته نفسها، ظن أنه يستطيع أن يُنقذ ما بقي من فرنسا. الجنرال عون، بخيانته نفسها، يريد أن يلقي بلبنان في أسفل دركات جهنم. فقط لكي يُرضي سلطة الاحتلال التي جاءت به رئيسا.
هذا وضع بائس ومخز إلى درجة لم تبق مزيدا لمستزيد من الخذلان. ولقد حان الوقت بالنسبة إلى السعودية أن تقول كفى، وأن تغسل يديها من لبنان، حتى يتحرر من سلطة الكتيبة التابعة للحرس الثوري الإيراني.
معاملة لبنان على أنه دولة خاضعة للاحتلال، تعيد ترتيب مستلزمات المواجهة مع سلطة الاحتلال.
“احكموا لو قدرتم، ولكنْ ليس بأموالنا على الأقل”. هذا هو المعنى من المقاطعة. وهو قرار شجاع. والكل يجب أن يفعل الشيء نفسه.
هل تعني النهاية حربا أهلية جديدة؟
أبدا. وعلى الإطلاق.
الحرب التالية ستكون حرب تحرير يخوضها كل ضحايا الجنرالين عون ونصرالله، من مسلمين ومسيحيين ودروز وأقليات أخرى، ضد الاحتلال الإيراني لبلدٍ ما كان لطبيعته أن تتحمله من الأساس.