أحمد الصراف :جمبازية المشروبات الروحية
صرح أحد نواب الإخوان المسلمين بأن الخمر من الخبائث، وتجر وراءها خبائث أخرى ولا بارك الله في مال وأعمال تأتي من ورائها.
وشاركه آخرون، من اتجاهه نفسه، في تغريدات مماثلة.
رسالة النائب «أسامة الشاهين»، وغيره، جاءت في معرض رده على ما ورد على لسان أحد كبار رجال الأعمال بأن مدينة الحرية، بالقيود الحالية وبغير «حريات»، مشروع فاشل.
الدخول في هذا الموضوع شائك بطبيعته، خاصة أن قوانين الدولة واضحة في هذا الشأن وتحظر بيع وشراء المشروبات الكحولية!
ولست هنا في معرض المطالبة بالسماح بها، خاصة أن الإنسان، طوال تاريخه ووجوده على الأرض، كان يعرفها. ولست في معرض سرد آراء الفقهاء واللغويين ورجال الدين المتناقضة بشأنها، ولكني معني أكثر بحجج ومواقف «المعارضين» المتناقضة من هذه المسألة.
فهل الخمور هي وحدها أم الخبائث؟
فإذا كانت كذلك، فماذا عن المخدرات، التي تحصد سنوياً حياة أضعاف ما تتسبب به الخمرة من وفيات، ولست هنا في وارد تبرير تناول الأولى وترك الثانية؟
وماذا عن سرقات المال العام، وتخريب البيئة وفساد الإدارة الحكومية وتعطيل مصالح الناس، أليست هذه من كبائر الخبائث؟
ولماذا لا يهتم كبار سياسيي الأحزاب الدينية، ومن لفّ لفّهم، إلا بموضوعَي المرأة والخمرة؟
ألا توجد مشكلات أخرى عظيمة الخطورة تهدد وجودنا كمواطنين، وكدولة وكبشر على هذا الكوكب؟
لماذا لا تعني قضايا البيئة وحرائق الغابات شيئاً لهؤلاء؟
لماذا لا يهتمون بمصير ملايين الأطفال الذين يتم استغلالهم في مختلف الأعمال المهينة لطفولتهم وكرامتهم والمتاجرة بهم جنسياً؟
لماذا يأخذ حجاب المرأة والكحول هذا الحيز الرهيب من الاهتمام والوقت والمال في تفكير هؤلاء، ولا تهمهم أو تلفت نظرهم قضايا مصيرية أكثر خطورة وأهمية؟
ولماذا لا يتساءل هؤلاء عن حكم توافر هذه المواد في كل الدول الإسلامية، عدا اثنتين أو ثلاث، فهل كل هذه الدول مدمرة أخلاقياً؟ وإن كان الجواب بنعم، فلم يشدون الرحال إليها دائماً؟
وماذا عن تاريخ دول الخلافة المتعددة، وتاريخ الكويت قبل تحريم تناول الخمر فيها، هل كان آباؤنا بكل ذلك الفسق والفجور، أليسوا هم بالذات آباء من يدعون اليوم حمل «لواء الفضيلة والشرف» في البلاد؟
من حق من يريد استمرار منع تناول «المحرمات» في الكويت قول ما يشاء، ولكن ليس من حقه التلاعب بالالفاظ وتسويق تناقضاته علينا.
كما أن من حقي كمواطن مطالبة الحكومة أن تحدد موقفها بوضوح تام من موضوع السير قدماً، كما أعلنت الحكومة، في مشروع مدينة الحرير، «فصاحب بالين» كذاب، ونربأ بحكومتنا أن تكون كذلك.
فمتطلبات إقامة المشروع واضحة لا لبس فيها. فإما أن تقبلها الحكومة وتسير عليها دون الالتفات لأية اعتراضات من هذا الطرف أو غيره، أو أن تستجيب لاعتراضاتهم، قبل أن تنفق عشرات المليارات من أموالنا في مشروع سيكون مصيره الفشل لا محالة.