المال القطري.. تحقيقات وفضائح
رغم صغر مساحتها الجغرافيّة نسبياً إلا أن هذه الدويلة تعوم على بحر من حقول الغاز، ما مكنها من تكديس محفظة مالية عملاقة يؤول تحريكها إلى حكامها فقط الجاهلين أصلاً بعلم إدارة الأموال، فقطر مستعدة لتمويل أي مشروع دون النظر لجدواه الاقتصادية وأهدافه، أوسلبياته وإيجابياته، المهم فقط أن يظهر اسم قطر على الواجهة.
يؤكد على هذا الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في كتابه “promised land”: “صحيح أن علاقة أمريكا قوية مع الدوحة، ولكن أمير قطر السابق حمد بن خليفة والد تميم، كان حاكماً بلا رؤية ولا يملك سوى المال ولا يعرف أن يتكلم إلا عن المال واستعداده لدفع التكاليف”.
نشر موقع “middle east online” نبذة عن كتاب “أوراق قطرية” وهو عبارة عن تحقيق استقصائي قام به الصحفيان الفرنسيان كريستيان شينو وجورج مالبرونو حول التمويلات التي قامت بها مؤسسات قطرية، وخاصة “قطر الخيرية”، لفائدة جمعيات وأطراف إسلامية موجودة في أوروبا، بالاعتماد على كمية ضخمة من الرسائل الإلكترونية والوثائق المتبادلة بين”قطر الخيرية”والجمعيات التي استفادت من تبرعاتها والتي أظهر التحقيق أنها غالباً ما ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين.
تشمل الوثائق التي يقدمها ويعلق عليها الصحفيان تحويلات بنكية، وأوامر بالتحويل وجداول تحتوي المبالغ التي تم تخصيصها لبناء مساجد ومدارس خاصة ومراكز إسلامية، إضافة لشراء عقارات وأراض وغيرها من المعاملات.
ولأن المبالغ المالية التي تم الكشف عنها ليست صغيرة، يثير الكاتبان أسئلة و يحاولان الإجابة عنها، مثل: “لأي غاية يسعى بلد لا تتجاوز مساحته مساحة جزيرة كورسيكا الفرنسيّة وعدد مواطنيه 200 ألف نسمة إلى تحويل الكنائس إلى مساجد في صقلية؟” أو “بناء مركز إسلامي ضخم في ميلهوز؟”، أو “تمويل مدرسة ثانويّة في ضاحية ليون؟”، و”ما هي الغاية من كل هذا النشاط؟”، و”أي إسلام يسعى إلى نشره بهذه الطريقة؟”، و”هل ينبغي الحذر منه؟”، و”هل يتماشى والقيم الّتي يقوم عليها النظام الجمهوري الفرنسي؟”.
انطلق الصحفيان بتحقيقهما من الدوحة ليحدثهما البعض عن برنامج “الغيث” الذي يشرف عليه الشيخ “أحمد الحمادي”، وهذا البرنامج يرسل أموالاً إلى فرنسا ودول أوروبية أخرى على شكل تبرعات، ويطمح أن يكون “أول محرك لنشر الدعوة والثقافة الإسلامية في أوروبا والعالم”.
ولاحظا في مكاتب “الجمعية الخيرية” بالعاصمة القطرية خريطة تكشف عن البرامج الممولة حول العالم، منها 8148 مسجد، و490 مركز لتحفيظ القرآن، و138 مسجد ومركز إسلامي في أوروبا، مما يثير الريبة في أن تكون هذه الأموال كلها موجّهة أساساً لدعم الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات الإرهابية في هذه الدول، حيث وصلت المبالغ المحولة إلى 72 مليون يورو، وزّعت على 14 بلد أوروبي، خُصصت منها 15 مليون يورو لفرنسا وحدها.
وأشار الكاتبان أنه في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، وُضعت “قطر الخيريّة” تحت مراقبة الإدارة الأمريكية التي تشتبه بأنها مولت نشاطات إرهابيين ينتمون إلى تنظيم القاعدة.
ويرى المؤلفان أن هذا المشروع القطري يستوحي مباشرة نظرية “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، من خلال تحويل الإسلام إلى أداة شاملة تحدد توجه كل شيء في المجتمع والدولة، لا سيٍما التربية والسياسة.
ويؤكد الكاتبان على ظهور دليل أساسي من خلال التحقيق الذي أجرياه، يبين أن “شبكة التمويل التي تعتمد عليها “قطر الخيرية” على مستوى فرنسا وأوروبا بأسرها تتداخل مع شبكة الإخوان المسلمين، فكأن الدوحة و بواسطة ذراعها في العمل الإنساني “قطر الخيرية” وبرنامج “الغيث” تعمل كمضخة مالية لسقاية كامل النظام البيئي للجمعيات الإسلامية المحلية المرتبطة بمجرة الإخوان الأوروبية”.
من خلال ذلك لا نرى سوى فصل واحد من فصول ارتكابات النظام القطري وهو تمويل الإرهاب، ولا تستكمل الصورة إلا بالنظر إلى خريطة دول الشرق الأوسط الّتي مزقها الإرهاب بأموال وأدوات قطرية عبر ثورات ربيعٍ، ظاهرها براق بينما تحمل في طياتها رائحة الدماء و الخراب.