تقارير

حكاية «بني شنقول» أرض سد النهضة (1) الخديوي إسماعيل ضمها لمصر قبل 160 عاما

في مايو المنصرم، ونتيجة إصرار النظام الإثيوبي على رفض توقيع اتفاق قانوني ملزم بخصوص ملء وتشغيل سد النهضة، والذي يثير أزمة إقليمية حادة بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً رسمياً أكدت خلاله أن تنصل المفاوض الإثيوبي من الاتفاقات السابقة حول نهر النيل، وخصوصاً اتفاقية العام 1902، بحجة توقيعها في زمن الاستعمار، رغم حقيقة أن إثيوبيا لم تكن مستعمرة في ذلك الوقت، يعني أنها – أي أديس أبابا – تتخلى كذلك عن سيادتها فوق إقليم بني شنقول الموجود فيه سد النهضة، بما أن اتفاقية 1902، كانت هي التي منحت الإثيوبيين السيادة على أرض بني شنقول، والتي تنتمي عرقياً وتاريخياً إلى السودان.

التقرير التالي يروي حكاية بني شنقول، الأرض السودانية التي بنت فوقها إثيوبيا سدها المثير للجدل..

الأرض الحرام
تنسب أرض بني شنقول إلى أخلاط من القبائل ذات الأصل السوداني العربي المشترك، والتي هاجرت إلى الإقليم الواقع إلى الشمال الغربي من إثيوبيا قبل قرون بعيدة، ولا تزال إلى اليوم تمثل الأغلبية العددية فيه.

منذ مطلع القرن الرابع عشر الميلادي تقريباً، أصبحت أرض بني شنقول رافداً بشرياً لقبائل الفونج السودانية. ثم مع حلول القرن السادس عشر الميلادي، تحولت إلى جزء من سلطنة الفونج في سنار، والمعروفة باسم السلطنة الزرقاء.

ومع ضعف سلطنة سنار في الربع الأول من القرن التاسع عشر، ونتيجة توافر خام الذهب بكميات ضخمة في بني شنقول، إضافة إلى إشرافها على تجارة الرقيق، أضحى الإقليم مطمعاً للغزاة. وكان الجيش المصري الحديث الذي أرسله محمد علي باشا إلى السودان في عشرينيات القرن التاسع عشر، ونجح في تحطيم سلطة الفونج، أول من فض بكارة الأرض الثرية لـ بني شنقول. حتى أن 4000 رطل – حوالي 1800 كيلوجرام – من الذهب الخالص كانت تدخل خزانة محمد علي سنوياً في القاهرة، رفقة مئات الرقيق، كان الباشا يستعين بهم في أغراض شتى.

أضحت بني شنقول بعد فقدانها التبعية لمملكة الفونج، أرضاً حرام بلا صاحب، أو كما يطلق عليها في الإنجليزية No Man’s Land. واستمر وضعها كذلك حتى ستينيات القرن التاسع عشر الميلادي، عندما أصبحت جزءاً من المملكة المصرية بشكل رسمي، بعد أن اشتراها الخديو إسماعيل من حاكمها محمد أبي شوك، وأصبحت تعرف باسم نهود الخديوي، بسبب المرتفعات التي تميزها وتشبه نهد المرأة. وبالاسم المصري نفسه، (نهود الخديوي)، ظهر إقليم بني شنقول فوق خريطة رسمها الجغرافي الألماني تيودور فون هوغل.

فرصة لن تتكرر
لكن وجود مصر في عمقها الإفريقي، شهد في السنوات التالية تراجعاً حاداً نتيجة الاحتلال البريطاني للقطر المصري في العام 1882، وحلول الإنجليز محل المصريين في التحرك جنوباً للبحث عن الثروات المعدنية، والتحكم في طرق التجارة بـ شرق إفريقيا. وفي الوقت نفسه تقريباً، كان الإمام المهدي يعلن ثورته في السودان مطالباً بفصل بلاده عن الإدارة المصرية – الإنجليزية الجديدة.

تأثرت أرض بني شنقول بالحدثين الكبيرين السالف ذكرهما، الاحتلال البريطاني لمصر، والثورة المهدية في السودان. وكان حجم تفاعلها مع الأخير أسبق، بعد أن اعتبر المهدي – وعلى غرار أسلافه من الغزاة – أن بني شنقول تمثل مصدراً ممتازاً لتمويل جيوشه. وبالتالي تحرك نحوها عسكرياً لضمها. ونتيجة الأصول العرقية السودانية المشتركة، انضوت بني شنقول في دولة المهدي طوعاً، وأصبحت تمده هو الآن بالذهب والعبيد.

لكن خضوع بني شنقول للمهديين أيضاً، لم يلبث أن انتهى بمجرد وفاة قائد الثورة الإمام المهدي في العام 1885، إذ ثار زعماء الإقليم في وجه خليفة المهدي (عبد الله التعايشي)، والذي حاول فرض الجزية عليهم، الأمر الذي اعتبروه خيانة لأنهم مسلمون لا تجوز جباية الجزية منهم. وقد عجزت الحملات التي بعث بها التعايشي عن قمع ثورة الزعماء المحليين لـ بني شنقول، فلجأ خليفة المهدي إلى الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني طالباً دعمه العسكري، ولبى الأخير النداء فوراً، بعد أن وجدها فرصة ثمينة ربما لن تتكرر للسيطرة على الإقليم الغني بالموارد، والذي ظل حتى ذلك الوقت بعيداً عن قبضة الإثيوبيين، بسبب قوة المتصارعين عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى