أحمد الجارالله : أين الوفاء يا جزائر؟
ضمن التصعيد المُستمر منذ عقود، إذ بدلاً من الرد إيجابياً على سياسة اليد الممدودة التي تضمنها الخطاب الأخير للملك محمد السادس، اختارت الشقيقة المُشاغبة إدارة ظهرها لمن كان لها الفضل الكبير في انتصار ثورة العام 1954 ورحيل المستعمر الفرنسي عنها في العام 1962، إذ بعد سنة واحدة من التحرير عمدت الجزائر إلى شن ما عرف بـ”حرب الرمال” عام 1963 ضد المغرب.
المؤسف أنَّ تلك السياسة لا تقوم على البناء للمستقبل، إنما على الغوص في تفاصيل الماضي، ومحاولة تطويع الأحداث وفقاً لهذا المنطق الذي أثبت عقمه منذ ستينات القرن، ومما لا شك فيه أننا في الكويت ندرك ذلك بالتجربة المريرة للرد الجزائري على المساندة الكويتية، الشعبية والرسمية، للثورة، بوقوف نظام الشاذلي بن جديد ضد الحق الكويتي وتأييد الغزو الصدامي، فقد كانت تلك دلالة ذات معنى خطير لتُحوِّل قادة ثورة تحرير إلى تأييد احتلال غاشم، لا يختلف في الشكل والمضمون عن الاحتلال الفرنسي لبلادهم.
الموقف من الكويت لم يختلف عنه في علاقة هذه الدولة العربية الشمال أفريقية مع مصر الداعمة الكبيرة للثورة، إذ بدلاً من التوجه إلى المستقبل وفقاً للتضحيات المشتركة، والاستعانة بالخبرات المصرية في بناء الدولة الحديثة، تنكرت الجزائر لذلك الدور الكبير وتعمَّدت شن حملات إعلامية على القاهرة، استمرت على هذه الحال حتى حرب الأيام الأربعة التي شنتها ليبيا على مصر عام 1977، وقبول الرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله، وساطة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، رحمه الله، لوقفها، لتعود العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي.
لذا اليوم حين تقدم الجزائر على هذه الخطوة المبنية على مزاعم لا يصدقها عاقل، وهي اتهام المغرب بإشعال حرائق الغابات في شمال البلاد، فذلك عذر أقبح من ذنب، وتناسٍ مقصود للتغير المناخي الذي تسبب بأسوأ الحرائق والكوارث الطبيعية في العالم، بدءاً من إسبانيا، مروراً باليونان، وفرنسا، وغيرها من الدول التي شهدت هذا النوع من الكوارث.
طوال العقود الستة الماضية كان الردُّ المغربيُّ على التحرشات الجزائرية باللين والحسنى، والسعي إلى مد يد التعاون، استناداً إلى سياسية ملكية ثابتة لم تتغير منذ تولي الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، زمام الحكم، وهي عدم التدخل بشؤون الدول، والعمل على توحيد جهود الدول العربية الشمال أفريقية تحت راية واحدة، وهو ما توج بالاتحاد المغاربي في قمة مراكش عام 1989.
لم تتغيَّر السياسة المغربية في عهد الملك محمد السادس الذي سعى طويلاً إلى إعادة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي، وتأكد ذلك مراراً وتكراراً في المواقف الملكية وخطب العرش، خصوصاً الخطاب الأخير الذي مدَّ يد التعاون إلى الجزائر التي ردَّت بقطع العلاقات.
المؤسف حقاً أن تكون دولة بحجم الجزائر تبني سياستها على تقارير غير واقعية يدبجها مستشارون أمنيون يعيشون في دهاليز التآمر على الداخل والخارج، ولهذا السبب لا تكاد تخرج من أزمة حتى تقع بأخرى أكبر منها، أكان داخلياً أو خارجياً، فهي اليوم تعاني من أسوأ وضع ديبلوماسي بتاريخها بسبب توتر علاقاتها مع ليبيا وتونس، وحتى مع دول في العمق الأفريقي مثل مالي وغيرها، فهل تسعى إلى عزل نفسها، وأن تكون مثل إيران، دولة منبوذة وراعية للإرهاب؟