السيــد زهــــره: .. ما بعد الصدمة
الغرب كله يعيش هذه الأيام حالة من الصدمة الشديدة مما جرى في أفغانستان. هي صدمة تعيشها الحكومات والمسئولون في الدول الغربية، ويعيشها أيضا الباحثون والمحللون والكتاب.
هي بالنسبة إليهم صدمة عنيفة جدا لأن ما حدث وعودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان بعد عشرين عاما من الحرب هناك سيناريو لم يخطر ببال أي أحد على الإطلاق.
من الآن ولأشهر طويلة قادمة، سينشغل المحللون والكتاب في العالم كله، وفي الغرب بالذات، بما يجري في أفغانستان والكارثة التي حلت بسيطرة طالبان على الحكم.. سيناقشون القضية من كل الزوايا والجوانب.
على امتداد الفترة القليلة الماضية منذ سقوط كابول وسيطرة طالبان نتابع بالفعل مئات التحليلات والتقارير الغربية بالذات عما جرى. وحتى الآن نلاحظ أن أغلب التقارير والتحليلات الغربية، وتحت وطأة الصدمة، تستخدم تعبيرات عنيفة تعبر عن تقديرها وموقفها. نعني تعبيرات من قبيل «الخيانة» و«الغدر» و«الذل» و«الأكاذيب» و«الفشل التاريخي».. وهكذا.
المحللون الغربيون يتحدثون بإسهاب هذه الأيام عن «خيانة» أمريكا للشعب الأفغاني الذي وعدته بتحريره من طالبان والإرهاب وبمساعدته لبناء دولة حديثة، ثم سلمت مقاديره إلى طالبان بالذات. ويتحدث المحللون الغربيون، والساسة أيضا، عن «غدر» أمريكا بحلفائها الغربيين الذين وقفوا معها وحاربوا معها في أفغانستان وقتل مئات من جنودهم هناك، ثم غدرت بهم وأظهرت كل ما فعلوه وما قدموه من تضحيات على أنه كان عبثا بلا قيمة ولا معنى. وليس غريبا أن نجد أن المقولة الأساسية التي تتردد في بلد مثل بريطانيا هي هل ذهبت أرواح جنودنا هباء بلا قيمة ولا معنى؟.
لاحقا، وحين يفيق الغرب من مرحلة الصدمة هذه، هناك قضايا استراتيجية كبرى سينشغل بها الساسة والمحللون الغربيون، وسنتابع تقارير وتحليلات لا حصر لها تدلي بدلوها فيها.
على رأس هذه القضايا على الإطلاق ثلاثة:
1 – محاولة فهم ما جرى. تساؤلات كثيرة جدا تشغل بالهم.. كيف حدث هذا؟.. ما هي الجوانب الخفية فيما جرى؟.. ما هي العوامل التي مكنت طالبان من السيطرة على الحكم بهذه السرعة الرهيبة؟.. لماذا فشلوا في توقع ما جرى؟. ما الذي أخطأت فيه أمريكا وحلفاؤها وقاد إلى هذه الكارثة؟.. وغير هذا كثير من التساؤلات.
الغرب سيطرح هذه التساؤلات ويحاول أن يجد إجابات عنها كي يتعلم الدروس. هكذا يقولون في تصريحاتهم وتحليلاتهم.
2 – ماذا سيحدث بعد الكارثة بالنسبة إلى أفغانستان والعالم؟
القضية الكبرى التي تشغل بال الدول الغربية هنا ليس مصير الشعب الأفغاني وما ينتظره، فهذه قضية لا تعنيهم كثيرا، وإنما قضية تبعات وتأثيرات ما جرى على الدول الغربية. القضية الكبرى التي تفزعهم هنا تتعلق بالإرهاب، وهل ستتحول أفغانستان في ظل حكم طالبان إلى قاعدة لتصدير الإرهاب إلى العالم والى الدول الغربية بالذات، وماذا عليهم أن يفعلوا في مواجهة هذا الاحتمال.
3 – ما هو مستقبل النظام العالمي وميزان القوى في العالم بعد الكارثة؟.
القضية الكبرى المثارة في الغرب هي أن ما جرى يعتبر ضربة قاصمة لمصداقية أمريكا ولقدراتها ومكانتها ويشكك بقوة في أن تستمر قوة عظمى أولى مهيمنة في العالم. بالتالي يهمهم مناقشة طبيعة مستقبل النظام العالمي وأي قوى سوف تصعد وماذا يجب أن يفعل الغرب.. وهكذا.
أتابع بشكل يومي تقريبا ما ينشر في العالم وفي الغرب بالذات من تحليلات عن أفغانستان وعن مختلف القضايا والتطورات الدولية. وفي كل ما أقرأه من تحليلات وتقارير يكون تركيزي كله منصبا على أمر أساسي واحد هو: ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلينا في الدول العربية؟.
للحديث بقية بإذن الله.