علي عبيد الهاملي : الحسابات الخاطئة
في مقدمة كتابه «جماعة الإخوان في دولة الإمارات العربية المتحدة.. الحسابات الخاطئة»، يقول المفكر والكاتب والخبير الاستراتيجي، الدكتور جمال سند السويدي، إن من أسباب تدهور جماعة الإخوان في دولة الإمارات العربية المتحدة، الخطأ الكبير في الحسابات، وعدم فهمها أحداث ما سُميّ بالربيع العربي، حيث اعتقدت أنه يعني الانقضاض على السلطة، والوصول إلى الحكم، ولكن لم يكن في تخطيطهم ماذا يفعلون بعد ذلك.
في اعتقادي أن هذه القاعدة، تنطبق على كل تجارب الإخوان في الدول العربية، ولا تقتصر على جماعة الإخوان في دولة الإمارات العربية المتحدة فقط، حتى لو اختلفت مسميات الأحزاب أو الجمعيات أو الحركات التي يعملون تحت مظلتها، فنظرة سريعة إلى ما ارتكبته الجماعة الأم من أخطاء، بعد وصولها إلى الحكم في مصر عام 2012.
تثبت ذلك، إذ اندفعت لحرق المراحل، والاستحواذ على كل شيء بسرعة قصوى، الأمر الذي أدى إلى سقوطها، وتعرضها لنكسة وفشل ذريع في زمن قياسي، إلى درجة أن الكثيرين يعتقدون أن الجماعة لن تقوم لها قائمة خلال 100 عام مقبلة، إلا إذا دخلت في جماعة دينية أخرى، كما يقول الدكتور جمال السويدي في الكتاب.
فما حدث لجماعة الإخوان في مصر عام 2013، متمثلاً في إزاحة محمد مرسي عن الحكم، من خلال حركة «تمرد» الشعبية، التي جمعت 22 مليون توقيع، حدث بشكل آخر لحركة «النهضة» الإخوانية في تونس، التي يعتبرها البعض أكثر الحركات الإخوانية «ذكاء» في تاريخ الجماعة، لكنها وقعت أخيراً في «الحسابات الخاطئة»، التي وقعت فيها شقيقاتها الحركات الأخرى، لتكون نهايتها على يد الرئيس قيس سعيّد، الذي دعمته الحركة في المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة، بعد إقصاء مرشحها عبد الفتاح مورو في الدور الأول.
واعتقدت بذلك، أنها ضمنت صمته على ممارساتها، حتى كانت قرارات الرئيس التي حظيت بدعم شعبي، والتي فاجأت الحركة في 25 يوليو الماضي، وإن كانت لم تفاجئ المراقبين، بعد لعبة شد الحبل التي جرت بين الرئيس والحركة، خلال الفترة التي سبقت القرارات، وبعد التحذيرات التي وجهها الرئيس للحركة والكتل النيابية الموالية لها، والتي سيطرت على البرلمان، بعد أن فاحت رائحة الفساد ونهب المال العام، خاصة بعد أن انضم إليهم رئيس الحكومة، هشام المشيشي، الذي انقلب على الرئيس، رغم أنه هو من عيّنه.
وفي خطوة بدت كأنها محاولة لإعطاء «النهضة» قبلة الحياة، قام رئيسها راشد الغنوشي، الأسبوع الماضي، بحل المكتب التنفيذي للحركة، تزامناً مع قرار الرئيس قيس سعيّد، تمديد فترة تعليق البرلمان إلى أجل غير مسمى، ما يعني تمسك الغنوشي بالبقاء على رأس الحركة، حتى النفس الأخير.
والتضحية بالرؤوس الأخرى، الأمر الذي يرى فيه البعض هروباً إلى الأمام، وهو هروب غير مأمون، لأنه قد يقود إلى السقوط الأخير، الذي كان يتوقعه الكثيرون منذ أن بدأت الانشقاقات والمعارك بين قيادات الحركة، وربما قرار الغنوشي هذا، هو المسمار الأخير الذي يُدّق في نعش الحركة، بدلاً من قبلة الحياة التي أراد أن يمنحها إياها.
هل يعني الصعود السريع، ثم التراجع الواضح لشعبية جماعة الإخوان في دول ما يسمى الربيع العربي، أن هذه الجماعة في طريقها إلى الأفول، على شاكلة نظمٍ حَكَمَت في الماضي، وأثبتت فشلها، كالنظام الشيوعي، والنظام القومي، والنظم الفاشية؟.
هذا هو السؤال الذي يطرحه الدكتور جمال سند السويدي، في كتابه «الحسابات الخاطئة»، محاولاً أن يجيب عنه قائلاً، إن خبرة جماعة الإخوان في الحكم بمصر، التي استمرت عاماً واحداً فقط، أظهرت عجز هذا التيار عن إدارة شؤون الدولة والمجتمع بفاعلية وكفاءة، وعدم قدرته على بلورة سياسات وخطط لمواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وذلك بسبب التشبث بخطابات فكرية وأيديولوجية مغلقة، مضادة للحداثة.
ما يحدث في تونس الآن، نسخة مكررة، وليس بالضرورة أن تكون طبق الأصل، لما حدث في مصر، ثم في السودان بعد ذلك، ما يؤكد أن «الحسابات الخاطئة»، ليست طارئة على جماعة الإخوان، وإنما هي منهجية متأصلة لدى أتباعها، وهو ما يجعل من كتاب الدكتور جمال سند السويدي، وثيقة سياسية وتاريخية مهمة، تستحق القراءة.