أحمد الجارالله : طهران… وأحلام النمل
لأنَّ قادة نظام الملالي لم يُغادروا كهوف الظلاميّة فهم يحسبون كلَّ صيحة عليهم، لذا يُكثرون من التهويل والتهديد كلما سنحت لهم الفرصة، بينما يكتفي المجتمعُ الدوليُّ بتضييق الخناق أكثر عليهم، ففي الوقت الذي حددت فيه الولايات المتحدة الأميركية الخطوط العريضة لمُفاوضات فيينا، وهو ما لا قبل لإيران عليه؛ لأنه سيؤدي إلى تعريتها، لذا يُحاول أركان الطغمة الحاكمة في طهران اللعب على حافة الهاوية، عبر إشعال جبهاتهم الإقليمية.
هذه السياسة راسخة منذ العام 1979، ولم تقدم أي فائدة لطهران؛ لأنّ المطلوب دولياً لا يتناسب مع طموحات قادتها التي هي أقرب إلى أحلام العصافير في السيطرة على الإقليم بمواجهة عاصفة الرفض العربي والدولي، ولهذا السبب نرى عملاءهم يُحاولون بين الحين والآخر ممارسة ضغط تخريبي، أكان على شاكلة القصف الصاروخي الباليستي على المملكة العربية السعودية، أو تهديد حسن نصرالله بتدمير إسرائيل، وتحدي الولايات المتحدة بجلب سفن وقود إلى لبنان تحت شعار “كسر الحصار الأميركي”، أو تدمير أبراج الكهرباء في العراق.
على هذا النحو سارت مشاهد مسرحية سيطرة طهران على أربع عواصم عربية، هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، فيما اليوم تتبجح بأنها أيضاً قادرة على التدخل في أفغانستان، فيما ثمة إجماع، دولي وعربي، على عدم السماح لنظام الملالي المارق بتخطي الحدود المرسومة بدقة، إضافة إلى أن العراقيين الذين ذاقوا مرارة الإرهاب الإيراني طوال 18 عاماً، واللبنانيين الذين اكتووا بنيران الاحتلال الفارسي المُقنع طوال 38 عاماً، هم اليوم أقرب إلى قنابل موقوتة متوقع انفجارها في أي لحظة نتيجة الأزمات المعيشية التي جلبتها عليهم العصابات الطائفية العميلة للمرشد الفارسي.
لا شكَّ أنَّ الغضب الشعبي اللبناني الذي يتعاظم حالياً سيؤدي إلى جرف حسن نصرالله وأتباعه العملاء، أما العراقيون الذين انتفضوا منذ نحو عامين على الواقع المرير فباتوا اليوم أكثر من أي وقت مضى على قناعة أن محاولة الاستمالة العاطفية المُغلفة بقشور مذهبية ليست أكثر من نفث السم الزعاف في تركيبتهم الوطنية وتهشيمها من أجل استمرار السيطرة الفارسية.
في هذا الشأن يُخطئ الإيرانيون برهانهم على أن إثارة الجبهات الإقليمية ستؤدي إلى دفع المجتمع الدولي لتقديم تنازلات لهم، فيما لم يعد أمامهم إلا الانصياع للشروط التي فرضتها واشنطن في محادثات فيينا، لا سيما أن لا أحد في هذا العالم سيقبل تكرار مشاهد الموت الفظيع في هيروشيما وناغازاكي، ولا كارثة تشيرنوبل أو فوكوشيما، كما لن يقبل بوجود نظام مجنون آخر يتربع على أسلحة دمار شامل في آسيا على شاكلة بيونغ يانغ.
من هذا المُنطلق، فإن موقف التحدي الذي أطلقه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن أن بلاده “لا تخوض المفاوضات من أجل التفاوض فقط”، ليس أكثر من مُسكن لمرض عُضال تعاني منه طهران، التي تلعب بنار التصعيد في المنطقة، والتي لا شك ستحرقها وحدها؛ لأنَّ العالم أصبح أكثر تحصيناً في مواجهة إرهاب الدولة، لذا بات ينطبق على نظام الملالي المثل: “إذا أراد الله هلاك نملة ركب لها جناحيْن”، بينما النمل في تفسير ابن سيرين للأحلام هو الموت والفراق والابتعاد