رأي في الحدث

جعفـرعبــاس : عبد الصمد والفتاة الصامدة

إليكم‭ ‬تذكير‭ ‬بحكاية‭ ‬تناولتها‭ ‬هنا‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬بعيدة،‭ ‬تتعلق‭ ‬بعبد‭ ‬الصمد‭ ‬وهو‭ ‬طالب‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬جلس‭ ‬لامتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬ذات‭ ‬عام‭ ‬واكتشف‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬المراقبين‭ ‬ومدير‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمتحن‭ ‬فيها‭ ‬كانا‭ ‬زميليه‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الأموي‭ ‬الى‭ ‬العصر‭ ‬العباسي،‭ ‬فبسبب‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ ‬الامبريالية‭ ‬ظل‭ ‬عبدالصمد‭ ‬يناضل‭ ‬لنيل‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬حسوما‭ ‬ظل‭ ‬خلالها‭ ‬عبدالصمد‭ ‬يواصل‭ ‬صموده‭ ‬ويرفع‭ ‬رايات‭ ‬التحدي‭: ‬لا‭ ‬صلح‭ ‬ولا‭ ‬تفاوض‭ ‬ولا‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إنصاف‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬لأصبح‭ ‬عبدالصمد‭ ‬رئيسا‭ ‬لإدارة‭ ‬مناهج‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواد‭ ‬ماعدا‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬مرجعا‭ ‬وحجة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المواد‭ (‬ونال‭ ‬هذا‭ ‬المناضل‭ ‬الشهادة‭ ‬المنشودة‭ ‬في‭ ‬المحاولة‭ ‬الـ17‭).‬

وإليكم‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬أيضا‭ ‬بالامتحانات‭ ‬وبطلتها‭ ‬شابة‭ ‬خليجية،‭ ‬ظلت‭ ‬متفوقة‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬وتحرز‭ ‬مراكز‭ ‬متقدمة‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬متزوجة،‭ ‬وشاءت‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الجلوس‭ ‬لامتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬المواعيد‭ ‬المحددة‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬الولادة‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬رغم‭ ‬ظروف‭ ‬الحمل‭ ‬الصعبة‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬مواظبة‭ ‬على‭ ‬استذكار‭ ‬دروسها،‭ ‬واضطرتها‭ ‬ظروفها‭ ‬تلك‭ ‬الى‭ ‬الجلوس‭ ‬لامتحانات‭ ‬الدور‭ ‬الثاني‭ ‬ونجحت‭ ‬بنسبة‭ ‬97‭%‬‭. ‬والطبيعي‭ ‬ان‭ ‬يهلل‭ ‬التربويون‭ ‬لفتاة‭ ‬نجحت‭ ‬بتفوق‭ ‬مثير‭ ‬للإعجاب،‭ ‬جعلها‭ ‬ضمن‭ ‬العشرين‭ ‬الأوائل‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬بلادها‭.‬

وما‭ ‬يثير‭ ‬الإعجاب‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬زوجها‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬متحمسا‭ ‬لمواصلتها‭ ‬دراستها،‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬أوراقها‭ ‬الى‭ ‬كلية‭ ‬البنات‭ ‬حيث‭ ‬وجد‭ ‬موظفات‭ ‬قسم‭ ‬التسجيل‭ ‬قد‭ ‬حولن‭ ‬المكتب‭ ‬الى‭ ‬مطعم‭ ‬به‭ ‬شتى‭ ‬صنوف‭ ‬الفطائر‭ ‬والحلويات‭ (‬وهذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬دواوين‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تقريبا‭ ‬حيث‭ ‬يأتي‭ ‬الموظفون‭ ‬بالطعام‭ ‬ويفرشون‭ ‬الصحف‭ ‬فوق‭ ‬طاولة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ويأكلون‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬أفراد‭ ‬الجمهور‭).. ‬ما‭ ‬علينا‭.. ‬قالت‭ ‬موظفات‭ ‬قسم‭ ‬التسجيل‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬البنات‭ ‬ان‭ ‬مجموع‭ ‬97‭%‬‭ ‬لا‭ ‬يؤهلها‭ ‬للالتحاق‭ ‬بقسم‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ ‬الذي‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الالتحاق‭ ‬به‭. (‬كم‭ ‬المجموع‭ ‬المطلوب‭ ‬لدراسة‭ ‬الطب‭ ‬والصيدلة‭ ‬والهندسة؟‭). ‬توجه‭ ‬الزوج‭ ‬الى‭ ‬الوزارة‭ ‬فقالوا‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬الحائزات‭ ‬شهادة‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الثاني‭ ‬للامتحانات‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬قبولهن‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ (‬طيب‭ ‬ولماذا‭ ‬هناك‭ ‬دور‭ ‬ثان؟‭).. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬يناقض‭ ‬كلام‭ ‬مسؤولة‭ ‬التسجيل‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬أبلغت‭ ‬الزوج‭ ‬أن‭ ‬باب‭ ‬التسجيل‭ ‬مازال‭ ‬مفتوحا‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬الزوجة‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬المجموع‭ ‬المطلوب‭!!.. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أمره‭ ‬هين‭.. ‬وعادي‭.. ‬ويحصل‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬العائلات‭ ‬والجامعات،‭ (‬طبعا‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬بالأمر‭ ‬الهين؛‭ ‬فلو‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬97‭%‬‭ ‬لا‭ ‬تؤهل‭ ‬طالبا‭ ‬للالتحاق‭ ‬بجامعة‭ ‬فمعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سخاء‭ ‬في‭ ‬تخصيص‭ ‬الدرجات‭ ‬في‭ ‬الامتحانات،‭ ‬وأن‭ ‬فرص‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬مكفولة‭ ‬فقط‭ ‬لمن‭ ‬يحرزون‭ ‬115‭%‬‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬عادي‭ ‬وغير‭ ‬معقول‭ ‬او‭ ‬مقبول‭ ‬إطلاقا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬أحد‭ ‬موظفي‭ ‬الوزارة‭ ‬لزوج‭ ‬الطالبة‭ ‬المتفوقة‭ ‬عندما‭ ‬أبلغه‭ ‬أن‭ ‬زوجته‭ ‬لم‭ ‬تجلس‭ ‬للامتحان‭ ‬في‭ ‬موعده‭ ‬الأصلي‭ ‬بسبب‭ ‬إنجابها‭ ‬طفلا‭… ‬هل‭ ‬تصدق‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬للزوج‭: ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬ليش‭ ‬تخليها‭ ‬تحمل‭ ‬علشان‭ ‬تولد‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الامتحانات؟‭.. ‬أنقل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬الصحيفة‭ ‬التي‭ ‬استقي‭ ‬منها‭ ‬الخبر،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬موظف‭ ‬قد‭ ‬طرح‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬السؤال‭ ‬الوقح‭ ‬فإن‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬إجراء‭ ‬تحقيق‭ ‬معه،‭ ‬وبعد‭ ‬ثبوت‭ ‬‮«‬التهمة‮»‬‭ ‬عليه‭ ‬طرده‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭.. ‬متى‭ ‬تحمل‭ ‬زوجتي‭ ‬ومتى‭ ‬تنجب‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يخصك‭ ‬يا‭ ‬قليل‭ ‬الأدب‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬لوائح‭ ‬وزارات‭ ‬حكومات‭ ‬الكون‭ ‬ولا‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ان‭ ‬تقرر‭ ‬لكائن‭ ‬من‭ ‬كان‭ -‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬أرنبا‭ ‬أو‭ ‬قطة‭- ‬متى‭ ‬يحبل‭ ‬ومتى‭ ‬يجهض‭ ‬ومتى‭ ‬ينجب‭! ‬أم‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الموظف‭ ‬يعلم‭ ‬بوجود‭ ‬نص‭ ‬في‭ ‬اللوائح‭ ‬يقضي‭ ‬بضرورة‭ ‬هجر‭ ‬الطالبات‭ ‬المتزوجات‭ ‬في‭ ‬المضاجع‭ ‬قبل‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬موعد‭ ‬الامتحانات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى