أحمد الجارالله : أفغانستان… عش دبابير “طالباني”
هذه هي “طالبان”، لا يُغيرها الزمن، ولا يمكنها التأقلم مع الحياة الطبيعية، لذا لم يكن الخلاف بين بعض وزراء حكومتها أمراً مستغرباً، فقد دبَّ بين الحاكم بأمره الجديد عبدالغني بردار وممثل شبكة حقاني بالحكومة أنس حقاني، والاثنان يأتيان من خلفية انتقامية لا يشفع معها الانتماء العرقي الواحد، خصوصاً إذا كان الخلاف على من “حقق الانتصار على أميركا”، الحركة الحاكمة حالياً، أو الشريك غير المرغوب فيه، المفروض بقوة النهج الشوروي على طريقة “الحكم الحلال” الطالباني.
لذا، أن تتحول الحكومة الموقتة حقل ألغام، هذا يعني أن كل مساحيق التجميل التي تحاول الحركة صبغ وجهها بها لن تغير من الواقع شيئاً، خصوصاً في ما يتعلق بحقوق الإنسان، والنساء تحديداً، إضافة إلى غياب المنهجية التي ستتعامل بها مع الجوار القلق، والعالم الحذر من الفواتير المجبرة “طالبان” على دفعها للحلفاء الذين شاركوها القتال طوال 20 عاماً، فيما الولايات المتحدة التي سعت إلى تأسيس حكم ديمقراطي وفشلت رفعت يدها عن أفغانستان، وتركت شعبها يواجه مصيره، فيما كان كل همها تدمير أسلحة ستراتيجية يمكن أن يستعين بها مقاتلو الجبال على خصومهم في الداخل، أو ضد بعض الجيران، أما بقية الأسلحة التي خلّفتها وراءها الولايات المتحدة فهي لزوم الحرب الأهلية.
في هذا الجو من الصعب جداً، بل ربما من المستحيل، القول إن دولة يمكن قبولها ستبصر النور قريباً في أفغانستان، فالآتي من كهوف الظلامية والعادات القبلية الصارمة لا يمكنه قبول مشاركة الآخر، أياً كان، في صنع القرار، بينما أباطرة المخدرات الذين لهم اليد الطولى في الاقتصاد المحلي، لن يرضوا بأن يتحولوا كبش فداء سياسي في تقديم “طالبان” أوراق اعتماد للمجتمع الدولي، ولا شك أن هؤلاء سيكون لهم الدور الكبير في الابقاء على إمبراطوريتهم، وحمايتها.
هذا يعني أن الشجار الذي وقع في القصر الرئاسي هو الشرارة التي ستفجر بركان الخلافات الداخلية المفتوحة على تدخلات شتى، وهو ما يعيدنا إلى إيران بعد فبراير عام 1979، حين استدار الخميني ومن معه إلى الحلفاء الذين ساعدوه في الثورة، وبدأ ضدهم حمّام دم أفضى إلى قتل عشرات الآلاف من المعارضين، ولا يزال مستمراً بشكل أو آخر إلى اليوم.
هذه النتيجة الطبيعية لما ستؤول إليه أفغانستان في المستقبل القريب، التي أيضاً ستبقى معزولة دولياً، وحتى إقليمياً، إلى أن تثبت اختلافها عما كانت عليه في العام 1996 حين استولت الحركة على البلاد، أي أما عودته إلى رجم النساء وقطع رؤوسهن علناً، وقمعهن، وإقصاء النخبة المتعلمة، وتطويع الاقتصاد وفق رؤية الحكومة الجدبدة، أو التخلي عن ذلك النهج في سبيل فك العزلة عنها، ودخولها نادي المجتمع الدولي.
ولأن الكتب تُقرأ من عناوينها، بات واضحاً منذ الآن أن أفغانستان دخلت عصر الحروب الداخلية، ما يعني أنها حالياً كالجمرة في يد كل من يسعى إلى التعاون، معها إقليمياً ودولياً، لأنه يغامر في عش دبابير