المشير طنطاوي.. ثعلب المزرعة الصينية ووزير دفاع مصر طوال 21 عامًا
في 15 أكتوبر 1973، دبر خطة محكمة للإيقاع بقوات الاحتلال الإسرائيلي. وقتها كان قائدًا للكتيبة 16 مشاة، وتمكن من هزيمة العدو في معركة ظلت خالدة وموثقه في التاريخ المصري.
المشير محمد حسين طنطاوي، بطل عسكري من طراز خاص، خاض 4 حروب ضد إسرائيل، وفي ملحمة «المزرعة الصينية» حين كان ضابطًا برتبة مقدم، أثناء حرب أكتوبر، سلطت المدفعية الإسرائيلية بعيدة المدى نيرانها بشراسة طوال ساعات سطوع الشمس، واستمر هذا الهجوم حتى الغروب، وعندما استنفد العدو الإسرائيلي جميع محاولاته للقيام بالهجمات والضربات المضادة ضد رؤوس الكبارى، بدأ تفكيره يتجه إلى ضرورة تكثيف الجهود ضد قطاع محدد حتى تنجح القوات الإسرائيلية في تحقيق اختراق تنفذ منه إلى غرب القناة.
كان اختيار القيادة الإسرائيلية ليكون اتجاه الهجوم الرئيسي لها في اتجاه الجانب الأيمن للجيش الثاني الميداني في قطاع الفرقة 16 مشاة، وبالتحديد في اتجاه محور الطاسة والدفرسوار، ليتنبه لهم المشير طنطاوي ويضع خطته، إذ قرر وقف إطلاق النار تمامًا لإغراء قوات العدو على التقدم عبر المنطقة الواقعة بين الجيش الثاني والجيش الثالث الميداني على الضفة الشرقية لقناة السويس.
وتقدمت القوات الإسرائيلية حتى أصبحت في خضم نيران القوات المصرية، وفور تقدمها حاصرها المشير طنطاوي بقواته لدرجة أن إيريل شارون فقد 60 دبابة، واستمرت المواجهة على مدار ساعتين ونصف الساعة.
وقال «يوريك فارتا» أحد جنود الاحتلال الناجين من المعركة: «أعتقد أنني وزملائي أرسلنا إلى هذه المعركة لنكون طعاما للدبابات».
كما قال «إيلان كوهين» جندي احتياط إسرائيلي: «شاركت في مهمة الإنقاذ، لمحت 3 جنود جرحى، نزلت من السيارة المدرعة، لكي أخلصهم، وعلى بعد 30 مترًا سمعت صوت انفجار مخيف، رفعت رأسي وصعقت من منظر آثار احتكاك صاروخ آر بي جي المضاد للدبابات بسطح السيارة المدرعة، ولم تخرج سيارة مدرعة إسرائيلية من هذه المعركة من دون جرح غائر».
ويشهد الجندي «شوكى فاينشتين»: «لقد كانت صواريخ آر بي جي الروسية مفاجأة الحرب المرعبة لسلاح المدرعات الإسرائيلي، لقد كانت مفاجأة كريهة بكل المقاييس، لم نتدرب على مواجهتها من قبل، كما لم نتدرب على تخليص جرحى في ميدان مكشوف، سماؤه تمطر صواريخ مصرية مفترسة».
وقال «جفرى أليعازر»: «أنا رأيت الصواريخ تتطاير أمام وجهي، وتتقدم نحوي بسرعة البرق، في البداية لم أعرف ما نوع هذه المقذوفات، وكنت أصرخ في زملائي لينبطحوا، وبعد ذلك بدأنا نحاول تفاديها والهرب منها بأي طريقة»
أما الجنرال «موشيه عفري» فقال: «لقد فاجأنا الجنود المصريون بشجاعتهم وإصرارهم، لقد تربى أبناء جيلي على قصص خرافية عن الجندي المصري الذي ما أن يرى دبابة تنقض عليه، حتى يخلع حذاءه ويبدأ في الهرب بعيدًا. وهذا ما لم يحدث في المزرعة الصينية استيقظنا على الحقيقة المرة. لم تنخلع قلوبهم أمام الدبابات، كانوا يلتفون في نصف دوائر حول دباباتنا، ويوجهون الصواريخ في إصرار منقطع النظير ليس لدى تفسير لهذا الموقف سوى أنهم كانوا سكارى بالنصر، وفي مثل هذه الحالة ليس للدبابة أي فرصة في المعركة».
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشيه دايان، عقب زيارته للمزرعة الصينية يوم 17 أكتوبر برفقة الجنرال أرئيل شارون: «لم استطع إخفاء مشاعري عند مشاهدتي لها فقد كانت مئات من العربات العسكرية المهشمة والمحترقة متناثرة في كل مكان ومع اقترابنا من كل دبابة كان الأمل يراودني في ألا أجد علامة الجيش الإسرائيلي عليها وانقبض قلبي فقد كان هناك كثير من الدبابات الإسرائيلية».
رحل صباح اليوم الثلاثاء، عن عالمنا، وزير الدفاع المصري السابق، المشير محمد حسين طنطاوي، عن عمر ناهز 85 عاما، بعدما تعرض لأزمة صحية قبل نحو 3 أشهر.
وتولى المشير طنطاوي رئاسة مصر بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في 11 فبراير 2011.
وظل على رأس السلطة حتى تسليم منصبه وأداء اليمين الدستورية في 1 يوليو 2012، وأحيل للتقاعد بقرار رئاسي من الرئيس المعزول محمد مرسي في 12 أغسطس 2012.
وتخرج محمد حسين طنطاوي في الكلية الحربية المصرية عام 1956، ثم كلية القادة والأركان، وشارك في حرب 1967 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973.
ونتذكر أبرز مواقفه، عندما شغل منصب وزير الدفاع، ومنها حادث 19 سبتمبر 2008، عندما خطف مسلحون 19 مصريًا وأوروبيًا، في منطقة جبل العوينات، على الحدود مع السودان وليبيا، وظل الرهائن مختطفين لمدة 10 أيام، قبل أن تنجح القوات المصرية الخاصة بالقيام بعملية في معسكر داخل الأراضي التشادية بالقرب من الحدود مع السودان.
وكانت مجموعة الرهائن تضم 5 ألمان و5 إيطاليين وامراة رومانية واحدة، إضافة إلى 8 مصريين.
وظهرت لقطات حية بثها التلفزيون في ذلك الوقت لاستقبال الجيش المصري للرهائن المصريين والأجانب بالورود، ثم إيداعهم في مستشفى المعادي العسكري لتلقي العلاج. وأعلن المشير طنطاوي للرئيس أن نحو نصف أعضاء المسلحين قد قتلوا بواسطة القوات المصرية الخاصة.
وكان موقع «ويكيليكس» كشف النقاب عن برقية من برقيات الخارجية الأمريكية تعود إلى العام 2008، تصف المشير طنطاوي بأنه «لطيف ومهذب ومقاوم للتغيير».
ونعى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسى، طنطاوي، وقالت الرئاسة المصرية، في بيان: «الرئيس السيسي ينعى للأمة رجلا كانت له صفات الأبطال، ويعرب باسمه وباسم شعب مصر وحكومتها عن خالص عزائه ومواساته لأسرة الراحل المشير محمد حسين طنطاوى، ويدعو المولى عز وجل أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته جزاء صالح أعماله للوطن».