أحمد الصراف : أعيدوا لنا الاحتلال.. أعيدوا لنا صدام
روى لي المرحوم أحمد الربعي (1949 – 2008)، بعد تبخر الأفكار الثورية واليسارية من رأسه، أنه زار سوق السمك في عدن، المحمية البريطانية السابقة التي خرج منها الإنكليز عام 1967، فصدم من انتشار القذارة والروائح الكريهة فيه، وندرة الأسماك وقلة نوعيتها، وارتفاع أسعارها، فسأل أحد الباعة من كبار السن عن سبب ذلك، وكيف أن الأمور «أيام الإنكليزي» كانت أفضل بكثير منها «بعد الاستقلال»، فرد البائع العدني المخضرم قائلاً: رجع لنا الإنكليز وخذ سوق نظيف وسمك كويس وأسعار ممتازة!
تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ مقالاً لمواطن فلسطيني يطالب، من شدة ألمه ويأسه، بأن يعود الاحتلال الإسرائيلي لما تحرر من وطنه! وهذه مقتطفات مختصرة مما كتب، ببعض التصرف:
«.. نعم، ليس هذا ترفاً من القول ولا ضرباً من الجنون ولا إعجاباً بالاحتلال، إنما هذه صرخة في اللامعقول. نعم أعيدوا لنا الاحتلال، فإن شعبنا لم يعد قادراً على دفع ثمن كلفة احتلالين معاً في آن واحد!».
نعم، نريد أن نعود إلى ما كنا عليه قبل عام 1993 الذي أصبح بمنزلة تاريخ نكبة جديدة لشعبنا الذي أصبح يُحكم بسلطتين، سلطة الحاكم السيد، وسلطة الخادم الجلاد. فاحتلال وطننا هو أول احتلال في التاريخ يطلق عليه احتلال غير مكلف، احتلال يدار من قبل من يدعون أنهم ممثلو الشعب المحتل وطنه، نعم للأسف، هذا حالنا ليس تجنياً ولا من باب المبالغة، إنما من واقع الحال الذي استمر 30 عاماً، ولا يزال يتفنن في تقديم أفضل وسائل الأمن والأمان للسيد المحتل الحاكم، حتى أصبح يُدار إسرائيلياً من مكتب لا يتعدى عدد المسؤولين فيه عن بضع عشرات في مكاتب مكيفة، لأن هذا من متطلبات الدول المانحة التي تعتمد السلطة عليها في كسب المزايا والرواتب.
لقد كانت لدينا ثوره فلسطينية انطلقت لهدف واحد قبل أكثر من 55 عاماً هو تحرير فلسطين، كل فلسطين. وقدّم شعبنا خيرة أبنائه طواعية ومحبة وفداء وقوداً لهذه الثورة. ثم عدلت منظمتنا عن ميثاقها وراهن قادتها في لحظة من الوهن بأن فلسطين لا يمكن أن تعاد بالكفاح المسلح، وإنما بالعمل السياسي، ودخلوا أوسلو على أساسه، لكن بعد 30 عاماً من أوسلوا ماذا حصل؟ أصبح حلم إقامة الدولة سراباً، ومقابل السراب مَنَحْنا المحتل اعترافاً رسمياً بالمجان، من دون أدنى مقابل لمصلحتنا.
هل هذا ما كان يحلم به الشعب الفلسطيني، وما كان يؤمن به من ضحوا بأرواحهم؟
كان الشباب عندما يُعتقلون من الاحتلال تعلو زغاريد النساء ويهلل الرجال فخراً لاعتقال أبنائهم أو استشهادهم، ويقف الشاب منا رافعاً رأسه بشموخ وعيونه تلمع مثل الصقر، لأن العدو اعتقل بطلاً تحكي به كل البلاد.
السؤال ما الذي يدفع أمثال هؤلاء إلى هذا القدر من اليأس؟
ولماذا أصبح جزء كبير من الشعب العراقي يحن لأيام صدام، الدكتاتور الطاغية الذي لم تعرف دول العالم أجمع من بمثل حقارته وقلة إنسانيته وبطشه. كما يتحسر الليبيون على أيام القذافي، الذي جثم على صدورهم لأكثر من أربعين عاماً من دون أن يصرف شيئاً من فوائض أموال الدولة المليارية عليهم؟
وأخيراً، لماذا تتفاوت أحوال شعوب العالم بين صعود وهبوط، إلا الدول العربية التي تتردى أوضاع غالبيتها منذ نصف قرن من انقلاب عسكري لآخر، ومن سيئ لأسوأ لأكثر سوءاً؟!