عبدالمنعم ابراهيم: الغرب لا يريد (مارتن لوثر) ولا (ميجي) في السعودية والخليج!
لكي نفهم طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية والعلمية التي تحدث حالياً في (السعودية) علينا العودة قليلاً إلى تاريخ الثورات الفكرية في العالم، وهي كثيرة، ولكن لنتوقف أمام نموذجين مشهورين ارتبطا باسم ثورة من دون عنف وسلاح ودماء في الشوارع وحروب أهلية.. وهي تلك التي قادها الراهب (مارتن لوثر) حين علق الرسائل الخمس والتسعين على باب كنيسة (فيتنبورغ) عام 1517، لتبدأ في أوروبا الثورة على التدخل الديني لبابا الفاتيكان في السياسة والسيطرة على الفكر والفن والإبداع.. أما النموذج الثاني فكان مع ما سمي في اليابان بثورة (الميجي) حين ارتقى الإمبراطور الشاب (ميتسوهيتو ميجي) اليابان عام 1868، وقد مثل هذا الحدث بدء عهد النهضة الحديثة في اليابان، حيث استطاعت استيعاب الثورة الصناعية فيها وجنت ثمارها، ومجازاً الميجي تعني (الحكومة المستنيرة)، وتطلق على الفترة الأولى من تاريخ اليابان المعاصر (1868 – 1912).
إذن هناك ثورات فكرية وصناعية ليس لها علاقة بثورات الدماء في الشوارع، وهذا ما يمكن وصفه على ما حدث في السعودية منذ تولي (العاهل) السعودي الملك (سلمان بن عبدالعزيز) زمام الحكم، ومعه ولي العهد السعودي الشاب (محمد بن سلمان)، حيث دخلت المملكة في هذا العهد مرحلة جديدة من تاريخ التحولات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة بالنسبة إلى مجتمع عاش عقودا في فكر محافظ وتدخلات من بعض رجال الدين المتشددين في سنوات سابقة من تاريخ المملكة، وطبعاً كل ثورة فكرية واجتماعية في العالم، يكون لها أعداء في الداخل وأعداء في الخارج، فمثلاً ثورة (الميجي) في اليابان كانت تتربص بها (روسيا القيصيرية) آنذاك، تماماً مثلما تتربص أمريكا والغرب عموماً حالياً بالسعودية، هذا المعسكر الغربي الذي لا يريد للسعودية أن تنهض فكرياً واجتماعياً وتكنولوجياً، ويسعون دائماً إلى جعل السعودية مجرد مستورد للسلاح من عندهم ليس أكثر! ويتصرفون بخبث ضد (الانفتاح الاجتماعي والفكري والفني) الذي يحدث حالياً في المجتمع السعودي، ويحرضون (المتشددين الدينيين) داخل السعودية لمهاجمة الاحتفالات والأنشطة الثقافية والموسيقية والمسرحية والرياضية والاستعراضية التي يحييها (مهرجان الرياض) هذه الأيام، بل يمكن القول بأن الغرب الذي كان ينتقد (السعودية) لأنها لم تسمح للمرأة بسياقة السيارة سابقاً، صار غاضباً جداً لأن السعودية أعطت المرأة السعودية حقوقاً وحرية تعبير ومشاركة اجتماعية ومهنية وعلمية وتكنولوجية أكثر من موضوع (رخصة السياقة) الذي تجاوزته المرأة السعودية والحكومة لما هو أفضل من ذلك بكثير جداً.
ويمكن القول بوضوح إن الغرب لا يريد للأمير (محمد بن سلمان) أن يكون نموذجا من الإمبراطور الياباني الشاب (ميتسوهيتو ميجي) عام 1868 في السعودية الآن، ولذلك تلاحظون أن سهام الإعلام الغربي (الأمريكي والبريطاني والأوروبي) مسلطة ضد ولي العهد الأمير (محمد بن سلمان)، وفي كل مرة يعجز فيها الغرب وأمريكا تحديداً عن إخضاع السعودية لقراراتها السياسية أو الاقتصادية يُعطى الضوء الأخضر لوسائل الإعلام الغربية بالهجوم على السعودية في مجال (حقوق الإنسان)!
ومؤخراً حين عجز الرئيس الأمريكي (جو بايدن) عن اخضاع السعودية للتحرك لخفض (أسعار النفط) التي ارتفعت في الآونة الأخيرة من 60 دولاراً للبرميل إلى أكثر من 82 دولاراً للبرميل، أعطى الضوء الأخضر للإعلام الأمريكي للهجوم على السعودية، وكان من بينها إجراء محطة تلفزيونية أمريكية مقابلة مع من أسمته مستشارا أمنيا سعوديا سابقا! (سعد الجبري) الذي هاجم بوقاحة ولي العهد السعودي (الأمير محمد بن سلمان) واتهمه بأكاذيب وحكايات ملفقة بقصد تشويه سمعته دولياً، بينما (سعد الجبري) في الحقيقة هو شخص سعودي هارب من وجه العدالة في السعودية ومتهم بسرقة 11 مليار دولار أمريكي!!
هذه هي حقيقة موقف الغرب من السعودية (ودول الخليج أيضاً).. فهم لا يريدون لنا أن نتطور اقتصادياً وسياسياً وفكرياً وعلمياً وتكنولوجياً.. فقط تذكروا حجم البذاءات الإعلامية الغربية ضد (دولة الإمارات العربية المتحدة) وتشويه صورتها في شماعة (حقوق الإنسان) حين أطلقت صاروخها العلمي إلى الفضاء واكتشاف كوكب المريخ، وأيضاً مؤخراً حين أطلقت (معرض إكسبو- دبي) العالمي الناجح، وسوف يكون لنا في البحرين موعد مع بذاءات الإعلام الغربي في احتفالية رياضة سباق السيارات (الفورمولا-1) حين نستضيفها.. إنهم ينبشون في القمامة من دون قفازات منذ الآن!
باختصار.. الغرب لا يريد أن يظهر لدينا الراهب (مارتن لوثر) الذي أصلح الكنيسة في أوروبا، ولا يريدون أن يخرج في السعودية أو أي دولة خليجية الإمبراطور الشاب (ميتسوهيتو ميجي) الذي أسس عهد النهضة الحديثة في اليابان.. هذه هي الحقيقة التي صرنا ندركها جيداً الآن.. ولم تعد تنطلي على شعوب المنطقة أكاذيب إعلامهم ومؤامرات (الغرف المغلقة) في حكوماتهم.