مصطفى فحص : لبنان والخليج نقطة آخر السطر… انتهى.
عبّر جورج قرداحي عن ذروة انحياز السلطة السياسية إلى سياسات المحاور، وعن قناعاته الحقيقية من اليمن إلى سوريا، بمواقف تنطبق بحذافيرها مع منطق المحور الذي ينتمي إليه. ففي مقابلته إصرار على ارتكاب جريمة أخلاقية بحق الشعب السوري، تدفع إلى التشكيك حتى في إنسانيته وتاريخه الإعلامي قبل أن يتحول إلى مقدم برامج مسابقات.
قرداحي الذي يبدو أن اسم عائلته يطغى على طبيعته، تحول إلى مدافع عن طاغية القرداحة مبررا ما ارتكبه من إبادات جماعية. فقد دفعه انحيازه في لحظة هي الأصدق في حياته إلى الحديث دون قفازات عن مشروع يحاول (عبر القرداحي) إعادة تعويم خطابه.
اختبأ قرداحي كما تختبئ نخب كثيرة خلف ربطة العنق والخطاب المدني وشعارات الوطنية والقومية. فقد أسهمت هذه النخب في التغطية على جرائم داعش أخرى تسترت برداء العلمانية، وثوب أنيق وحضور مدني، لكنه أخفق في لحظة تخل في الدفاع عن جريمته، فتحول موقفه إلى جريمة ارتكبت بحق لبنان دولة وشعبا، خصوصا بعدما انبرى مشغلوه للدفاع عنه، وفرضوا موقفهم على حكومة ولدت في غرفة الانعاش ولم تخرج منها.
ردة الفعل الخليجية، وخصوصا السعودية، تجاوزت الموقف من موقف قرداحي وتدخله في الأمن القومي الخليجي ودفاعه عن ميليشيات تابعة لمحور ما يسمى بالممانعة، ميليشيات انقضّت على ثورة الشعب اليمني وعلى المرحلة الانتقالية، وضربت ما تبقى من الوحدة الوطنية بخطاب الطائفية والهوية المذهبية، وباتت تستخدم في تهديد الأمن الجماعي الخليجي.
بعد الإجراءات الخليجية لم يعد هناك ضرورة لاستقالته، كما لم يعد مهما استقالة الحكومة، فالأزمة مرشحة إلى التصعيد والتعقيد، إذ يتعرض لبنان لأول مرة منذ استقلاله إلى شبه عزلة عربية، ظاهرها الموقف من قرداحي وباطنها هوية لبنان وموقعه ومستقبل الطبقة السياسية. فإذا كان تصريح قرداحي هدفه الإعلان عن اكتمال تموضع لبنان الرسمي في الحاضنة الإيرانية، فإن الرد عليه يفتح باب التكهنات حول كيفية التعاطي العربي والدولي مع الاستحقاقات السياسية والاقتصادية المقبلة، بداية من الانتخابات النيابة إن حصلت، والأهم معركة رئاسة الجمهورية عبر البرلمان الحالي أو برلمان جديد.
فمن الواضح أن الصراع المبكر الذي تحاول طهران حسمه في قضية اختيار الرئيس اللبناني المقبل قد تلقى ضربة قاسية من أطراف عربية، مهما تعاملت بكثير من الإهمال مع لبنان إلا إنها على ما يبدو لن تتساهل في مثل هذه الاستحقاقات خصوصا إذا تم ربطها بالاقتصاد، هذه الدول لم يعد ممكنا التعامل معها كأنها جمعيات خيرية تقدم الدعم لطبقة سياسية تتحالف مع أعدائها.
الأزمة المفتوحة مع دول الخليج ستضع لبنان في مهب الريح، وتداعياتها ستؤثر على مفاوضات لبنان مع المؤسسات الدولية. فالحكومة ورئيسها خسرا فعليا الضمانات الخارجية كافة، وهما محاصران داخليا بين سندان الانتفاضة ومطرقة حزب الله الذي بات يعطل عمل أغلب مؤسسات الدولة ويحاول فرض مشيئته على قرارتها.
ما جرى في 24 ساعة الأخيرة هو تسليم بأن معالجة الأزمة اللبنانية بالترقيع والمساومة انتهت، وبأن الطبقة السياسية الحاكمة التي قررت أن تزج لبنان في سياسة المحاور عليها أن تتحمل مسؤولية خياراتها السياسية والاستراتيجية، وأن تحافظ على الاستقرار الأمني والمعيشي، خصوصا أن مظاهر غياب الدولة وسلطتها، باتت تهيىء الأرضية لفوضى اجتماعية وعنف مدبر، وهذا ما سيفتح الباب أمام الاحتمالات على تصعيد أمني من نوع آخر.
عود على بدء إلى جورج قرداحي الذي أنهى الفصل الأخير من حياة حكومة الميقاتي الذي يبدو أنه في موقف لا يحسد عليه، فهو إن استقال سيخفف الأعباء عن نفسه، وإذا أصر على البقاء فهو لم يستوعب معنى النقطة في نهاية الجملة.