عبدالمنعم ابراهيم : لبنان.. أصبح طنجرة مليئة بالسموم الإيرانية
مشكلة لبنان الحقيقية ليست في تصريح وزير هنا أو هناك يُعرّض فيها العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبنان للخطر مع السعودية ودول الخليج العربي.. كلا, فهذه مجرد أبخرة مؤذية لطنجرة تحتوي على السموم القاتلة داخل تركيبة النظام السياسي برمّته.. وقد عبّر عن ذلك وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في تصريح له لوكالة «رويترز» منذ يومين, إذ قال: «إن أحداث الأزمة مع لبنان ترجع أصولها إلى التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز هيمنة جماعة (حزب الله) المسلحة المدعومة من إيران, ويتسبب في استمرار عدم الاستقرار.. أعتقد أن القضية أوسع من الوضع الحالي, أعتقد أن المهم أن تصوغ الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية مسارا للمضي قدما بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله».
إذن المشكلة الحقيقية تكمن في هيمنة (حزب الله) وسيطرته على القرار السياسي في كل مفاصل الدولة اللبنانية, وهو الذي يتحكم في كل منافذ لبنان الحدودية (برًا وجوًا وبحرًا), ويملك جيشًا من مائة ألف عنصر مسلحين بعتاد يفوق الجيش اللبناني نفسه, ومؤخرًا هدد زعيمه حسن نصرالله باستخدامه لضرب ودكّ جبل لبنان بأكمله! ومما يساعد (حزب الله) على التحرك بحرية أكبر في قمع وتهديد وإرهاب الأحزاب والقوى الأخرى التي تختلف معه أحيانا هو وجود أركان الدولة اللبنانية في «جيبه», ذلك أن حزب الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل متحالف معه في السلطة, وكذلك (حركة أمل) التي يرأس زعيمها نبيه بري مجلس النواب اللبناني.. وكل هذه الأطراف الممسكة بالسلطة الرسمية هي في تحالف مقدس مع (حزب الله).
والآن.. نأتي إلى تحديد الجهة التي تتحكم في مسار هذا الأخطبوط الداخلي في لبنان, وهي إيران, ذلك أن إيران تستخدم لبنان ورقة ضغط في مفاوضاتها النووية مع أمريكا والغرب, تمامًا مثلما تستخدم إيران «ورقة الحوثيين» ضد السعودية ودول الخليج, وتستخدم مليشيات «الحشد الشعبي» الطائفية في العراق ضد خصومها هناك, وتستخدم مليشياتها المسلحة في سوريا لمناكفة إسرائيل على الحدود في الصراع العسكري هناك.
إذن لبنان نظام فاقد للشرعية في ظل هيمنة حزب الله وإيران على مفاصل الحكم هناك, وبالتالي فإن هذا النظام الحالي لا يملك الجرأة في أن يختلف مع إيران في أية مسألة تتعلق بسيادة لبنان واستقلاله السياسي.. فالرئيس اللبناني ميشل عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري, وطبعًا حسن نصرالله يتحدثون عن «سيادة واستقلال» لبنان فقط حين يتعلق الأمر بخلاف سياسي مع السعودية ودول الخليج.. أما حين يتعلق الأمر بتدخلات إيران في الشؤون الداخلية للبنان فهم يخرسون تمامًا!
مسألة أخرى يجب ألا ننساها, وهي أن فرنسا هي التي صنعت التركيبة السياسية الحالية في لبنان, وهي التي جاءت بصفقة وصول ميشال عون إلى كرسي الرئاسة في لبنان, رغم وجود شخصيات مسيحية معتدلة وذات صلة قوية مع الدول العربية والخليجية, ولكن الرئيس الفرنسي ماكرون استبعدها من كرسي الرئاسة وتمسك بـميشال عون رغم علمه بوجود تحالف سياسي قوي يربط حزب عون وصهره جبران باسيل وزعيم حركة أمل نبيه بري بحزب الله اللبناني, الذي لم تصنفه فرنسا حتى الآن منظمة إرهابية (مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا ودول أوروبية أخرى) صنفت (حزب الله) منظمة إرهابية.
إذن فرنسا هي التي صنعت التركيبة السياسية الحالية الموالية لإيران في لبنان, وإذا لم تتغير هذه التركيبة فلن يتغير شيء في لبنان, وهذا ما يريده حزب الله وإيران.. أي أن يبقى لبنان «دولة بلا سيادة» وتبقى طهران هي صاحبة القرار السياسي المتحكم في المنافذ الحدودية للبنان (برًا وبحرًا وجوًا), وأن تبقى ترسانة حزب الله المسلحة هي القوة الباطشة بالآخرين إذا تحركوا للإطاحة بهذه التركيبة السياسية «الإيرانية»!
إذن المسألة في لبنان أكبر من تصريح وزير إعلام مثل جورج قرداحي وجد مصلحته الاقتصادية والسياسية والنفعية في التخندق مع إيران ومليشياتها «الحوثية» في اليمن ضد السعودية والإمارات وبقية دول الخليج العربي.. كلا, المشكلة الكبرى تتعلق بتركيبة نظام سياسي لبناني مُوال لإيران والمرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني ضد الدول العربية, وليس الخليجية فقط.. هذه هي الطنجرة الممتلئة بالسموم حاليًا في لبنان, أما التصريحات المشاغبة والمعادية للسعودية ودول الخليج فهي مجرد أبخرة فاسدة لما يغلي في تلك الطنجرة الكبيرة.