صراع تيجراي.. 3 سيناريوهات محتملة تؤكد انهيار آبي أحمد وإقتراب إثيوبيا من مصير يوغوسلافيا
بعد تسعة أشهر من اندلاع النزاع المسلح في منطقة تيجراي الإثيوبية في 4 نوفمبر 2020، تتأرجح البلاد الواقعة في منطقة القرن الأفريقي على شفا حرب أهلية شاملة، تحمل أصداء مخيفة للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، عندما وقفت إفريقيا والعالم متفرجين على مقتل ما يقرب من مليون شخص، وتحول الصراع الجاري في شمال إثيوبيا إلى وصمة عار في ضمير الإنسانية لم يعد بإمكان الاتحاد الأفريقي ولا العالم تجاهله.
وقالت صحيفة The Nation الكينية إن الاتحاد الأفريقي يتحمل مسؤولية هائلة لمنع إثيوبيا من أن تصبح يوغوسلافيا الأفريقية.
وأضافت الصحيفة أن أفريقيا تواجه اليوم اختبارًا قويًا لآلية هندسة السلام والأمن التابعة للاتحاد الأفريقي (Aupsa) التي يتباهى بها قادة القارة السمراء كثيرًا، والتي تم إنشاؤها قبل 20 سنة لإسكات البنادق في القارة. وكنقطة انطلاق، وفقًا للرئيس التنفيذي لمعهد سياسة أفريقيا، بيتر كاجوانجا، يتعين على الاتحاد الأفريقي إسكات البنادق في إثيوبيا، ثم المضي قدمًا لإيجاد حلول دائمة للأسباب الجذرية للصراع المتفاقم بعد أن ذهب التفاؤل بالتحول الديمقراطي الذي أعقب صعود أبي أحمد علي إلى السلطة في أبريل 2018 مع الريح.
ويعتقد البروفيسور بيتر كاجوانجا أن لجنة نوبل النرويجية أخطأت خطأً تاريخيًا في قراءة اتفاق أبي العسكري مع إريتريا كاتفاقية سلام “تاريخية” أنهت عقدين من الجمود واللاحرب واللاسلم بعد الحرب الإثيوبية- الإريترية (1998-2000) ومنحت أبي جائزة نوبل للسلام 2019.
وأكد كاجوانجا أن إثيوبيا دولة استبدادية تحاول اقتطاع أمة من أكثر من 80 مجموعة عرقية. ومع ذلك، بدلاً من التوسط في عقد اجتماعي عملي لتأمين مستقبل إثيوبيا كدولة متعددة الأعراق، استنسخ حكام إثيوبيا نفس ممارسات أنظمة المنتصر القمعي.
ومن المفارقات أن أبي وصل إلى السلطة بسبب استياء الأقلية الأرستقراطية العرقية التيجراية التي فرضت نظام المنتصر على أغلبية الأورومو (35 في المائة) والأمهرة (27 في المائة). لكنه أضعف الفيدرالية العرقية في إثيوبيا، وتفرغ لتركيز السلطة المركزية حول الحزب الذي ينتمي إليه والذي شكله حديثًا ولجأ إلى الحلول الاستبدادية للأزمة المعقدة للدولة الإثيوبية.
في يونيو 2020، عارضت قيادة تيجراي تحرك أبي لتأجيل استطلاعات الرأي التي أجريت في 29 أغسطس 2020، مشيرة إلى جائحة كوفيد -19. دعا زعماء تيجراي إلى حكومة انتقالية من التكنوقراط وإلى عقد اتفاقية بشأن مستقبل إثيوبيا بعد انتهاء ولاية أبي في 5 أكتوبر.
وهم الانتصار السريع المؤكد استبد بأبي أحمد.
تصاعدت التوترات مع إقليم تيجراي في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي اجريت في الإقليم بتاريخ 9 سبتمبر 2020 في تحد لأمر تأجيل الحكومة الفيدرالية، وأعلنت الحكومة أن الانتخابات غير قانونية وجمدت مخصصات ميزانية تيجراي، ووصفت جبهة تحرير شعب تيجراي هذه الخطوة بأنها “إعلان حرب”.
وأشارت الصحيفة إلى ثلاثة سيناريوهات يتعين على مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي أن يأخذها في الاعتبار للتوسط في إحلال السلام في إثيوبيا.
أولاً، بينما كانت الحكومة الفيدرالية تعمل على تحقيق نصر سريع ومؤكد، إلا أن هذا الأمر أصبح بعيد المنال ومشكوكًا فيه على نحو متزايد، ما بدأ كـ”عملية لإنفاذ القانون” تحول إلى حرب أهلية واسعة النطاق.
وأعلن أبي أن عملية تيجراي “انتهت” عندما استولت قوات الدفاع الإريترية وقوات الدفاع الإريترية، بمساعدة طائرات بدون طيار متمركزة في ميناء عصب الإريتري، على عاصمة تيجراي ميكيلي في 28 نوفمبر 2020.
ولجأت قوات دفاع تيجراي منذ ذلك الحين إلى حرب العصابات، واستعادت السيطرة على ميكيلي وأجبرت الحكومة الإثيوبية على إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد في 28 يونيو 2021. علاوة على ذلك، كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت في 21 يونيو 2021 عن هشاشة الدولة الإثيوبية.
صراع طال أمده
في 10 أغسطس 2021، دعا أبي جميع المدنيين الإثيوبيين للانضمام إلى القتال ضد تيجراي، وشجع أولئك المؤهلين “للانضمام إلى قوات الدفاع والقوات الخاصة والميليشيات” و “تعقب وكشف جواسيس وعملاء تيجراي”. ومن المتوقع أن يتلقى أبي دعما عسكريا وماليا من تركيا بعد زيارته لأنقرة في 18 أغسطس 2021.
من جانبها، ضمت قوات دفاع تيجراي صفوفها مع جيش تحرير أورومو لمحاربة حكومة أبي، في أغسطس، واستولت القوات على نقاط استراتيجية في منطقة أمهرة، وعزلت منطقة عفر.
السيناريو الثاني والأكثر ترجيحًا هو صراع طويل الأمد ونزيف لإثيوبيا بالكامل، وخسارة حكومة أبي تيجراي إلى الأبد، وقد أهلكت قدرتها وامتد الصراع إلى مناطق أخرى.
وأدى المنطق العرقي لصراع تيجراي إلى تقليص قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية البالغة 162 ألف فرد وميزانية قدرها 520 مليون دولار بحلول عام 2020 إلى أقل من الثلث.
فقدت قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية قيادتها الشمالية المحورية المتمركزة في ميكيلي، والتي كان لديها ما يقرب من 75000 فرد ومعدات متطورة، وأصبحت القوات الجوية غير فعالة لأن أفراد النخبة بما في ذلك القائد والطيارون كانوا من قبائل تيجراي كما قررت باريس تعليق تعاونها العسكري مع أديس أبابا.
وطرحت الصحيفة الكينية السيناريو الثالث، والمحتمل أيضًا، وهو انتصار الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وحلفائها، والسيطرة على ممر النقل بين جيبوتي وإثيوبيا، وهو الوريد الرئيسي الإثيوبي الذي ينقل 95 في المائة من الإمدادات إلى أديس أبابا، ويقطع إمدادات البضائع من ميناء جيبوتي، بما في ذلك المؤن العسكرية، وتحركت جيبوتي قواتها باتجاه الحدود مع إثيوبيا.
وبالمثل، قطع حلفاء جيهة تيجراي الطريق السريع الرئيسي الذي يربط إثيوبيا بكينيا أثناء تقدمهم نحو أديس أبابا.
وتحتاج إثيوبيا إلى مساعدة أفريقية وعالمية لحل أسوأ أزمة إنسانية تواجهها في القرن الحادي والعشرين، والتي خلفت أكثر من أربعة ملايين شخص بدون طعام، وشردت ما يقرب من مليوني شخص ودفعت أكثر من 50000 لاجئ من تيجراي إلى السودان. وأكدت الصحيفة أن الوساطة وحدها، وليس الحرب، هي التي يمكن أن تنقذ إثيوبيا من السيناريو اليوغوسلافي.