عبدالله بشارة : صوت الحذر.. في ميدان التسامح الكويتي
علمتنا التجارب أن العيش الهادئ لا يستغني عن الحزم، وأن حكمة الاستقرار أساسها اليقظة، وأن الأوطان أمانات يصونها المواطنون، ويسهر على توفيرها المختصون، فهم القادرون على عزل الخبيث عن النظيف، مسلحين بالخبرة والمعرفة، ملتزمين بالقانون وأحكام الضوابط التي يتحرك في أحواضها أبناء الوطن، وهم الحريصون على ترسيخ الاطمئنان في فضاء المجتمع.
ولا غنى للكويت عن إبقاء العين الساهرة متحركة وفعالة وملاحقة الأحداث، وعلى دراية بما يمكن أن يحدث للكويت إذا غاب السهر وطغى الخراب.
تمر منطقة الخليج بأجواء ساخنة تعرضها لكل الاحتمالات، وقد تنقلها إلى أزمات غير مسبوقة قد تصل إلى التعريض باستقرارها، وتحطيم قواعد الأمن التي شيدتها دول الخليج، ومكنت هذه الدول الخليجية من الحصول على مباركة الأسرة العالمية بجدارتها في حفظ الهدوء والسكينة في هذه البقعة الإستراتيجية التي لا يرتاح العالم من دون حيويتها من أجل الوفاء بحاجة العالم من الطاقة الاستثنائية التي تختزنها دول الخليج في أسفل ترابها، وبهذه القيمة العالية التي تتمتع بها دول المنطقة، ولدورها في السلوك العاقل المعتدل في ساحة الصراع العالمي، فلا مفر من إدامة الحيطة والحذر في كل الأوقات، لأن الظرف الحالي يستدعي هذا الاستنفار المؤثر والمؤمن لإدامة السكينة، لا سيما بعد أن اتخذت الكويت إجراءاتها الموجهة ضد التسلط الإقليمي لـ«حزب الله» الذي يجاهر بخصومته لدول المنطقة، ولا يتوقف عن التهديد والوعيد مع تجاوزها إلى المشاركة بمعية الحوثيين، الذين استولوا على شرعية اليمن ودشنوا فصل المآسي التي صارت من نصيب اليمنيين.
ومع استمرار التحدي التخريبي، وصلت دول الخليج إلى حتمية الاستعانة بالكوابح التي تحافظ على نظافة تربتها وسلامة جسدها واستمرار حياتها الطبيعية.
لكن ذلك لا يتم سوى بإشهار الحزم وفرض الآليات التي تتصدى لمؤامرات التخريب والعبث وبشكل خليجي جماعي، كما برز من خلال اجتماع وزراء داخلية دول مجلس التعاون في البحرين في الأسبوع الماضي، وكما جاء في بيان مجلس الوزراء السعودي، برئاسة خادم الحرمين، بإصراره على تعزيز العمل الخليجي الأمني المشترك.
وأهم مداولات وزراء الداخلية، توافر الفهم المشترك لطبيعة التهديدات، ومن المناسب أن أشير إلى أن شروط اليقظة لا تنحصر في إجراءات السلطة، وإنما تسود الطمأنينة إذا ما تداخل الرأي العام وتواجدت الهيئات الوطنية في تحفيز الحس الوطني لخطورة الوضع الحاضر، وإشهار الاتهام ضد من يساند هذا الحزب وآلياته بدعم مخططات التدمير التي يمارسها، لا سيما ضد المملكة، التي يدرك المسؤولون في الحزب صلابتها أمام المغامرات الهدامة التي يطلقها المسؤولون فيه، بمساندة إيرانية تعمل طهران على تجميلها بعبارات دبلوماسية وتغليفها بالرغبة في الحوار المباشر مع المملكة، رغم تواصل اكتشافات مختلف الدول لحجم تدخلات إيران في شؤونها الداخلية، فلا تتوقف أمام المواقع البعيدة جغرافياً عنها، ففي الأسبوع الماضي أعلنت كولومبيا أنها تراقب أنشطة «حزب الله» على أراضيها، حيث توجه الاتهام للحزب بالقيام بأنشطة إجرامية تم اكتشافها، وأُبعد بسببها كما تقول مجرمون مفوضون من الحزب لارتكاب عمل إجرامي، مع إشارات إلى تواجد الحزب في فنزويلا ممارساً أعمال تهريب المخدرات، كما جاء في بيان وزارة الدفاع الكولومبية، كما لم تفلت الباراغواي من تسلّط الحزب على تجارة المخدرات وتبييض الأموال، وبسبب تعاون الدول تم كشف هذه الخلايا، وتم القبض على غسان دياب بوجود المختصين الأميركيين.
وإذا كان الذراع المهددة عبر كل هذه المسافات والمحيطات، فعلينا تصوّر حجم القدرة وعنفوان الطاقة اللذين يمكن أن يكونا من نصيب هذه المنطقة، فمن يتمكن من الوصول إلى رئة التنفس الخليجي، يمكن لأصابعه أن تخنق الحياة ليس فقط عندنا، وإنما تصل إفرازاتها إلى سلامة الآخرين، لا سيما الدول الصناعية.
ويدرك أهل الخليج، سلطة وشعوباً، أنهم يتحملون حساسية خاصة في الأمن العالمي بالحفاظ على أمن المخزون المتوافر من الطاقة، ليواصل العالم حياته من دون آثام الإرهاب وتدميراته، وهذه المسؤولية الخليجية لا تنحصر في جهاز الداخلية أو رجال الأمن، فندرك أننا كمواطنين شركاء في حماية الأوطان بوقفة مؤثرة وناجعة ضد الإرهاب وملاحقته، بما في ذلك منع تحويلات الأموال، فالمساهمات تستغل لأهداف لا علاقة لها بالتخفيف عن عوز المحتاجين، وإنما يستفاد من حصيلتها لشراء السلاح وآليات التخريب، أو لاستعمالها لإضعاف دول الخليج وتحطيم تطورها.
ومسؤوليتنا في حماية الأمن الوطني تتجسد بالتضامن الداخلي والوحدة المتماسكة وإغلاق المنافذ التي تستغل النوايا الإنسانية الحسنة للمتبرعين بتوظيف تبرعاتهم لأهداف حربية وتخريبات داخلية.
جاءت مبادرة سمو الأمير الإنسانية بالعفو عن المهاجرين الكويتيين والمحكومين من منابع إدراكه لتطويق المخاطر ولحشد الفعاليات الكويتية لمصلحة الوطن، وهي مبادرة عنوانها التسامح والشراكة في البناء وفي إبعاد الخراب، مع الصلابة في فرض القانون والحزم في ثوابت الوطن، بلا مجاملات، ورفض لاستغلال شهامة الدولة الكويتية وتمرير المخالفات بغطاءات الظرف الإنساني، وتبريرات تخلع أنياب القانون، وتفرخ الميوعة في فصل الحزم والشدة، فلا مكان للاستثناءات حول صحة الأبدان ولا تغافل مع سلامة الأوطان.
نحن في مرحلة تجاوزت الحذر إلى التعبئة ضد الإرهاب تناغماً مع الخطوات التي اتخذتها دول العالم في حروبها ضد الإرهاب، مستذكرين ما تعرضت له الكويت منذ استقلالها، بدأت بالادعاءات ومرت بتهديدات وشهدت اعتداءات رافقتها ابتزازات، ومنها انفجرت قنوات الخيانة في الغزو.
ومن تلك التجارب استخرجنا معاني الحذر ومنافع اليقظة وتحصنا بترتيبات الردع، وصقلتنا الخيانات غير المتوقعة، ومع النضوج ومرارة المأساة لم تعد تنطلي علينا التجميلات المغلفة.
منذ أسبوع كنت في مدينة دبي، وفي فندق سيزار بالاس الجديد والمتألق، عقد اللقاء الجامع لمؤسسة بني ياس، التي تشرف عليها وزارة الخارجية الإماراتية في أبوظبي.
الميزة الخاصة لهذا اللقاء أنه يجمع بين أصحاب الخبرة والفكرة، وأصحاب السلطة، من وزراء ومفوضين وسفراء، كانت المناقشات حول قضية فلسطين وكانت الحصيلة حول استحالة الحل حالياً والنصح بإبقاء الباب مفتوحاً مع استخفاف بقدرة السلطة وفقدان الأمل من حكومة اليمين الإسرائيلي، والثاني عن إيران و«حزب الله»، هنا دعوة لمواجهة صريحة ضد إيران وتوابعها مثل «حزب الله»، والثالثة عن سوريا وتدخل روسيا وتركيا وواشنطن والمعارضة مع فقدان الأمل بنهاية النظام السوري، الذي يرفض الانفتاح ويريد استبدال قرار مجلس الأمن وتحويل السياسة العربية من المقاطعة إلى تقبل الحوار.
لكن الإجماع في المؤتمر كان على زحف التشاؤم على الفضاء العربي واحتمالات انفجارات إرهابية..
كنت أستمع إلى هذا الحصاد المقلق والمربك وأتصوّر نتائجه المدمرة على منطقتنا وعلى العالم كله.