أحمد الجارالله : فقط الرؤساء المُبدعون يصنعون نهضة بلادهم
يحفل التاريخ بقصص رجال صنعوا نهضة بلادهم وعملوا على إخراجها من أزماتها رغم كل المصاعب التي واجهتهم، وفيما بعضهم استطاع تغيير مسار الدولة، خضع البعض الآخر لرؤية أحزاب، أو الشعبوية ما أدى إلى إغراق البلاد بمشكلات كبرى ودفعها إلى الإفلاس، تماماً كما حدث حين سيطر حزب العمال على الحكومة البريطانية بعد العدوان الثلاثي على مصر الذي وضع النهاية الفعلية لسيطرة المملكة المتحدة على الشرق الأوسط، وتسبب بأزمة بطالة خانقة فيها.
كانت هذه الدولة الكبيرة حتى بداية الحرب العالمية الثانية تُلقب بالامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إذ إن هذه المملكة شبه الجزيرة استطاعت فرض قرارها على دول أكبر منها بكثير، غير ان الحسابات الشعبوية الانتخابية لأحزابها، خصوصاً العمال، أدت إلى تآكل الهيمنة ما أضعف اقتصادها، ونشوء أزمة لم تشهدها من قبل، وهو ما دفعها في العام 1965 لطلب المعونة المالية من الولايات المتحدة، التي للمصادفة كانت إحدى مستعمراتها في القرن السادس عشر.
يومذاك كان البيت الأبيض ممتعضاً من موقف هارولد ويلسون الرافض لحرب فيتنام، لذا لم تنجح مساعيه للحصول على قرض، فيما استطاعت الأميرة مارغريت، شقيقة الملكة، خلال زيارتها واشنطن بتليين موقف الرئيس ليندون جونسون لإقراض بلادها 800 مليون جنيه استرليني، وهو ما ساعد على انعاش الاقتصاد والتغلب على الأزمة.
لقد تسببت الشعبوية بأزمات عدة لبريطانيا وغيرها، فيما في المقابل كانت بعض مستعمراتها السابقة أكثر قدرة على النهوض بسبب حنكة قادتها، أمثال السنغافوري لي كوان يو، والماليزي مهاتير محمد، ومن صناع النهضة الحديثة، أيضا، الزعيم الصيني دينغ سياو بينغ الذي جعل أكبر دولة في العالم في سنوات قليلة قاطرة الاقتصاد العالمي، وكذلك مارغريت تاتشر التي عملت خلال 13 عاماً على إعادة إنهاض الاقتصاد.
في السنوات العشر الماضية شهد العالم العربي رياح سموم “الربيع العربي” وقد أطاحت دولاً عدة، فيما نجحت حنكة قادة آخرين بمنع امتداد نيرانها إلى بلادهم، ولنا في ما حدث حينذاك في المملكة العربية السعودية التي كانت هدفاً واضحاً لمخططي الفوضى الدموية، والذين استعانوا بخارجين على القانون هاربين إلى الخارج، أو جماعة الإخوان المسلمين التي تصور قادتها أنهم قادرون على زعزعة أمن المملكة.
ففي مارس 2011 دعت صفحات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر في ساحة ديوان المظالم بالرياض، وميدان البيعة في جدة، ويومها تجمع نحو 15 شخصاً في العاصمة وعشرة مثلهم في جدة، فيما مثل الإجماع الشعبي على عدم تلبية تلك الدعوات التخريبية بيعة جديدة لقيادتها، يومذاك، أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، 30 أمراً ملكياً غيّر فيها وجه الدولة، اقتصادياً وسياسياً، وقطع دابر الهرج والمرج الذي افتعله بعض العملاء الهاربين، وهو ما حدث في الكويت، أيضا، عندما سعى بعض الغوغاء إلى تنظيم تظاهرات تحت عنوان”كرامة وطن”، أدت إلى ما أدت إليه.
لا شك أن التحولات الكبرى في المملكة بدأت في عهد الملك سلمان، وولي عهده الشاب الأمير محمد بن سلمان، اللذين جعلا من هذه المملكة العظيمة درة التاج الخليجي، وعمود خيمته، أولاً لوضعهما الرجل المناسب في المكان المناسب، وثانياً، مكافحة الفساد بأسلوب إبداعي قل نظيره في العالم العربي، إضافة إلى إطلاق سلسلة من المشاريع الكبرى، أكان في المدن الصناعية أو السكنية الحديثة، وتطوير التعليم، وترسيخ وسطية الإسلام التي حاول الإخوان المسلمون وغيرهم طمسها، وأخذ الشعب السعودي الى التطرف، ولذلك فإن المملكة تشهد كل يوم ورشة تطور جديدة.
أما عربياً، فلا يمكن نسيان دور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تجديد نهضة بلاده وإطلاق عملية تحديث كبرى عبر التنمية الشاملة لكل مصر بخطط مدروسة، مقابل كل ذلك ثمة دول لم تستطع التغلب على مشكلاتها لأنها لم تعمل على استدراك الأخطاء، والإصلاح الجدي، بل تركت أمورها على غارب الصدف وردود الفعل.
في كل هذا كان أمر النهضة مرتبطاً بمسؤول تنفيذي مبدع، يتولى إدارة حكومة جادة، ويعمل على إدارة الشأن العام بحنكة، ويستفيد من كل الفرص المتاحة للنهوض ببلاده، وترسيخ التنمية عند الشعب كأسلوب حياة