عبدالمنعم ابراهيم : الغرب أراد معاقبة روسيا.. فعاقبوا أنفسهم والعالم!

أمريكا قامت بغزو واحتلال أفغانستان تحت غطاء الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية.. كما قامت بغزو واحتلال العراق عام 2003 تحت حجة امتلاكه للسلاح النووي, ثم ثبت بعد ذلك -باعتراف واشنطن نفسها- عدم صحة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل للعراق! كما قامت أمريكا بغزو يوغسلافيا بالشراكة مع حلف الناتو، ودمرت البلد ومزقت أطرافه إلى عدة دول كما هي عليه الآن, وتدخلت أمريكا عسكريًا في دول أخرى كثيرة مثل سوريا والصومال ودول في أمريكا اللاتينية.
كل هذه الغزوات والحروب الأمريكية ضد الدول والشعوب الأخرى صاحبها تدمير وقتل لآلاف البشر والمدن والمصانع وتشريد للأبرياء وزحف اللاجئين البؤساء من العائلات والأطفال والنساء والعجائز باتجاه حدود الدنيا السبعة, لكن لم يتحرك الغرب والعالم لاتخاذ عقوبات اقتصادية وتجارية وإعلامية وتجميد أرصدة مالية ضد أمريكا عقابًا لها على هذه الحروب والتدخلات العسكرية في الدول الأخرى! ولم يتحرك الغرب والأمم المتحدة لتعليق عضوية أمريكا في مجلس حقوق الإنسان الأممي!
بينما كل هذه العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية والإعلامية وتجميد الأرصدة ومقاطعة مصادر الطاقة (النفط والغاز والفحم) في التعاملات الدولية اتخذتها أمريكا والغرب عمومًا ضد روسيا تنديدًا بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا! أليس في هذا ازدواجية بشعة في التعامل مع القانون الدولي؟! كيف نفهم الوضع على هذا النحو المبتور للقانون الدولي, الذي يراه الغرب وأمريكا تحديدا ضروريا لمعاقبة روسيا في أوكرانيا, لكن الغرب والأمم المتحدة يجمدان التعامل بالقانون الدولي وتطبيق العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية ضد أمريكا حين تكون هذه الدولة هي المعتدية والغازية والمحتلة للدول والشعوب الأخرى!
مؤخرًا جمدت دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن ما لا يقل عن 29.5 مليار يورو من الأصول والموجودات الروسية والبيلاروسية في إطار العقوبات المفروضة على الحرب في أوكرانيا.. وأن هذه الأصول تتضمن سفنًا ومروحيات وعقارات وأعمالا فنية بقيمة تقارب 6.7 مليارات يورو! كما صادق الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الماضي على مجموعة خامسة من العقوبات ضد روسيا تتضمن فرض حظر على الفحم الروسي وإغلاق المرافئ الأوروبية أمام السفن الروسية!
الغرب بقيادة أمريكا يتخذون قرارات عقابية ضد روسيا, لكنهم تسببوا في أضرار اقتصادية للعالم أجمع بما فيها أضرار اقتصادية ومعيشية ومالية كبيرة للشعوب الأوروبية والأمريكية نفسها, ذلك أن أسعار البنزين والوقود ارتفعت كثيرًا في أوروبا والمدن الأمريكية, كما ارتفعت في العالم أسعار المواد الأولية الزراعية مثل القمح وزيت دوار الشمس والذرة.. وبحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة سجلت أسعار الذرة زيادة شهرية بنسبة 19.1 بالمائة, وكذلك أسعار الشعير والذرة البيضاء.
إنهم يريدون معاقبة روسيا لكنهم عاقبوا العالم بأكمله, وعاقبوا أنفسهم أيضًا كمن يطلق النار على قدميه! ومؤخرا ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أن العقوبات ضد روسيا وتجميد جزء من احتياطياتها النقدية في البنوك الغربية قد تقوض الدولار الأمريكي, وتغير النظام المالي العالمي, وأشارت الصحيفة إلى أنه «نتيجة تصرفات واشنطن سيبرز نظام اقتصادي بديل في العالم», وقالت: «يجب الانتباه إلى خطط الصين الطويلة الأجل لجعل (اليوان) الصيني عملة أكثر أهمية في التسويات العالمية, والتي قد يتسارع تنفيذها على خلفية رد فعل الدول الغربية على الأحداث في أوكرانيا.. وكجزء من هذه الاستراتيجية يمكن أن تسرع الصين بتقديم نظامها المصرفي (CIPS) المستخدم في أكثر من 100 دولة, وينظر إليه على أنه بديل لنظام (SWIFT) سويفت, مع ملاحظة تراجع (دولرة) الاقتصاد العالمي, وخصوصًا أن هناك دولا كثيرة وقعت اتفاقيات مشتركة باعتماد العملات الوطنية الخاصة بها في المعاملات التجارية البينية, كما حدث مؤخرًا بين روسيا والهند.
سقوط «المنظومة الأخلاقية» للغرب للكيل بمكيالين في معاقبة روسيا لتدخلها العسكري في أوكرانيا, من دون معاقبة أمريكا لتدخلاتها العسكرية الكثيرة في دول العالم، جعل كثيرا من شعوب وحكومات العالم ينظرون بتوجس وشك كبير إلى أخلاقية العقوبات الغربية الاقتصادية والتجارية والمالية ضد روسيا, ويرفضون الالتزام بها, لأنهم صاروا يشاهدون كل يوم رياء ونفاقا وحزم عقوبات اقتصادية وهستيريا في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ضد روسيا, ولم يحدث ذلك إزاء أمريكا في غزوها لأفغانستان والعراق وسوريا ودول كثيرة, وهذا ما نعنيه بسقوط «المنظومة الأخلاقية» للغرب.