السيــد زهــره:السعودية وصناعة السلاح العربية
قبل أيام نشرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية تقريرا عن طموح السعودية في مجال تصنيع السلاح محليا وخططها في هذا المجال. التقرير يتضمن بعض المعلومات المهمة ويتعلق بقضية كبرى بالنسبة إلى السعودية وكل الدول العربية.
يذكر التقرير أن السعودية تسعى لتعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية محليا، وزيادة الاستثمار في التصنيع المحلي للأسلحة. وأشار إلى أنه في هذا الإطار فإن «المسؤولين السعوديين حريصون على الترويج لمصنع للإلكترونيات الدفاعية، باعتباره أحد أحدث استثمارات صندوق الثروة السيادية في مجال التصنيع العسكري، والذي يأتي على رأس خطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحديث اقتصاد المملكة». وشركة الإلكترونيات المتقدمة، ينتج مصنعها في الرياض أجزاء من القنابل والطائرات بدون طيار وتعتبر بحسب التقرير «جوهرة التاج» للصناعة العسكرية الناشئة في المملكة العربية السعودية.
تقرير «فاينانشيال تايمز» يذكر أن السعودية لديها خطة لزيادة الإنتاج المحلي ليستحوذ على 50 بالمائة من إنفاقها الدفاعي في غضون 10 سنوات في إطار السعي للاعتماد على الذات، وينقل عن الرئيس التنفيذي لشركة الإلكترونيات المتقدمة قوله «إن أحد أسباب تأسيس الشركة هو تحقيق السيادة، ونحن نريد هذا الاكتفاء الذاتي. والسبب الآخر هو الوقت الذي يستغرقه أحيانًا إصلاح المنتج وصيانته، فانتظار قطع الغيار يمكن أن يستغرق عامين».
بالطبع خطة السعودية للتصنيع العسكري المحلي تشمل بلا شك جوانب وأبعادا أخرى لم يتضمنها التقرير.
هذه الخطة السعودية خطة استراتيجية كبرى لها أهمية حاسمة، وتستحق بلا شك كل التقدير.
الحقيقة أننا حين نتحدث عن صناعة السلاح العربية عموما، فنحن نتحدث عن قضية استراتيجية كبرى تأخرت الدول العربية كثيرا عن إعطائها الاهتمام الواجب.. قضية الاعتماد إلى النفس في القدرات العسكرية الدفاعية.
هناك أسباب ودواع استراتيجية كثيرة تحتم على الدول العربية، فرادى ومجتمعة، امتلاك صناعة سلاح متقدمة تعزز القدرات الدفاعية العربية.
بداية، معروف أن الدول العربية أنفقت عبر سنوات طويلة مئات المليارات من الدولارات في شراء الأسلحة من الدول الأجنبية، وما زالت تنفق عشرات المليارات سنويا.
لو أن جزءا من قيمة هذه الصفقات المهولة لشراء السلاح كان قد تم تخصيصه لصناعة السلاح العربية لكنا قد حققنا إنجازا هائلا اليوم.
والأمر العجيب أنه على الرغم من المنافع المهولة التي تجنيها أمريكا والدول الغربية من مبيعات السلاح إلى الدول العربية، فإنها لا تكف عن استخدام هذه المبيعات كأداة تهديد وابتزاز لحكوماتنا ودولنا العربية.
في كل مرة يريدون فرض مخططاتهم وأجنداتهم المشبوهة على دولنا، ويريدون ابتزاز حكوماتنا يهددون بوقف توريد السلاح. هذا وضع ليس مقبولا أن يستمر هكذا.
اليوم تمر المنطقة والعالم بتحولات استراتيجية كبرى لم تتضح معالمها الكاملة بعد. لكن في مقدمة هذه المعالم التي أصبحت واضحة أنه لم يعد من الممكن الرهان على دور أمريكي غربي في الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها. هم يهددون بلا توقف بأنهم سوف ينسحبون من المنطقة ويتركونها لحالها.
هذه التحولات الاستراتيجية تحتم بداهة على الدول العربية أن تبني استراتيجية للاعتماد على النفس وبناء القوة الذاتية العربية في كل المجالات وعلى رأسها مجال القدرات العسكرية الدفاعية. وفي هذا الإطار تندرج الأهمية الاستراتيجية الكبرى لبناء صناعة سلاح عربية.
القضية المهمة هنا التي يجب تأكيدها أن بناء صناعة سلاح عربية قوية ورادعة يجب أن يتم في إطار تكاملي عربي. الدول العربية مجتمعة تمتلك قدرات هائلة مادية وبشرية وتكنولوجية تمكنها معا من امتلاك صناعة سلاح متقدمة. فرق كبير بين أن تسعى أي دولة عربية منفردة لبناء صناعة سلاح منفردة، وصناعة سلاح عربية مشتركة.
معروف أن الدول الغربية حاربت وتحارب أي محاولة عربية للاعتماد على النفس في مجال السلاح والقدرات الدفاعية. لكن المسألة مرتبطة بقرار استراتيجي عربي يجب أن يتخذ في هذا المجال دفاعا عن الأمة في مواجهة التهديدات والأخطار الجسيمة حاليا ومستقبلا.