صلاح سلام : عودة السعودية مع عودة التوازن الداخلي

زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان اليوم، خطوة أساسية لإعادة الروح إلى العلاقات الأخوية مع المملكة، التي طالما وقفت إلى جانب لبنان في أزماته وملمَّاته، وكانت في مقدمة الدول التي تمدّ يد العون والدعم لإعادة إعمار ما دمرته الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان. الإحتضان السعودي الدائم للشقيق الصغير ، يتجاوز المساعدات المالية والقروض الإنمائية، إلى ما هو أكثر أهمية للبنان، البلد الذي يعيش في دوامة مستمرة من الحروب والإضطرابات وعدم الإستقرار، حيث كانت السعودية السبَّاقة دائماً في مساعدة اللبنانيين على معالجة خلافاتهم، وإخماد صراعاتهم، وتطويق نتائج حروبهم، وإعادة الأمن والسلام إلى ربوعهم. لا داعي للتذكير بالجهود الجبارة التي بذلتها القيادة السعودية لإنجاح مؤتمر الحوار اللبناني في الطائف، في أواخر ثمانينات القرن الماضي، والذي أنهى حرباً دامت ١٥ سنة، سقط ضحيتها أكثر من ٢٠٠ ألف قتيل، ومثلهم من المعاقين، إلى جانب الدمار والخراب الذي أصاب بيروت ومناطق عديدة أخرى. مازال إتفاق الطائف يشكل صمام الأمان للسلم الأهلي في لبنان، بإعتباره أول ميثاق وطني مكتوب في لبنان، وهو مصدر دستور الجمهورية الثانية، الذي أدخل إصلاحات جذرية على النظام السياسي اللبناني، معززاً الشراكة بين اللبنانيين في إتخاذ القرارات المصيرية، وإرساء أسس الحكم على قواعد التوازن في المعادلة الوطنية الداخلية، وتحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين، على إختلاف ألوانهم الطائفية والسياسية. واحتلت المساعدات السعودية لإعمار ما دمرته حرب تموز ٢٠٠٦، مكان الصدارة، حيث بلغ عدد القرى التي أعيد بنائها أو ترميمها ٢٢٣ قرية في الجنوب والبقاع، فضلاً عن المساعدات المالية المباشرة لبناء الضاحية الجنوبية لبيروت. والدور السعودي في لجنة الدول الخماسية التي ذللت العقبات لإنهاء الشغور الرئاسي، وانتخاب رئيس الجمهورية، والخطوات اللاحقة لتشكيل حكومة جديدة، مازال ناشطاً على أكثر من صعيد، حيث يحمل الوزير السعودي الأمير بن فرحان دعوة ملكية من الأمير محمد بن سلمان إلى الرئيس جوزاف عون لزيارة المملكة، وستكون وجهته الأولى في الزيارات الخارجية التي ينوي الرئيس القيام بها بعد إنطلاقة العهد بتشكيل الحكومة العتيدة. لا شك أنه كان من الأفضل للبنان وللعهد، لو تم إنجاز تأليف الحكومة عشية وصول الوزير السعودي، للتأكيد بأن البلد إنتقل إلى آفاق المرحلة الجديدة، مع سلطة كاملة الصلاحيات الدستورية، وتجسد توجهات المرحلة الواعدة، وهي قادرة على التعامل مع الدعم العربي والدولي الموعود بشفافية ونزاهة تامة، بعيدة عن روائح الصفقات والفساد السابقة. الوزير بن فرحان سيطَّلع عن كثب على مسار التغيير الحاصل في الحركة السياسية وتوازناتها المستجدة بعد الحرب الإسرائيلية، ليتأكد بأن لبنان عاد إلى الدولة الشرعية، وأن الخلل في المعادلة الداخلية في طريقه إلى التلاشي، بعدما أثبتت المآسي المتوالية أن لا أحد يستطيع الخروج عن دائرة الشراكة الوطنية، ويحاول فرض سطوته على بقية المكونات اللبنانية.
*اللواء