عام الحرب الأهلية الإثيوبية.. تفاصيل مؤامرة آبي أحمد لإبادة التيجراي
سلطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير لها، اليوم الأربعاء، الضوء على الحرب في إثيوبيا بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وحلفائه ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.
تُظهر أدلة جديدة أن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، كان يخطط لحملة عسكرية في إقليم تيجراي الشمالي لشهور قبل اندلاع الحرب قبل عام واحد، مما أدى إلى سلسلة من الدمار والعنف العرقي التي اجتاحت إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان.
جائزة نوبل للسلام التي مهدت الطريق للحرب
شجعت جائزة نوبل، آبي أحمد وحليفه رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، على التخطيط سرًا لمسار حرب ضد خصومهما المشتركين في تيجراي، وفقًا لمسؤولين إثيوبيين حاليين وسابقين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لتجنب الأعمال الانتقامية أو حماية أفراد الأسرة داخل إثيوبيا.
أصر آبي أحمد الذي ظهر مؤخرًا يرتدي زيًا عسكريًا ويقود الجيش الإثيوبي على جبهة القتال، على أن الحرب فٌرضت عليه وأن قوات تيجراي هاجمت قاعدة عسكرية فى تيجراي، مما أدى إلى مقتل الجنود في نوفمبر 2020. ولكن في الواقع، كانت حربًا من اختيارات رئيس الوزراء الإثيوبي.
في الأشهر التي سبقت اندلاع القتال في نوفمبر 2020، حرك آبي أحمد القوات باتجاه تيجراي وأرسل طائرات شحن عسكرية إلى إريتريا. وخلف الأبواب المغلقة، ناقش مستشاروه والجنرالات العسكريون مزايا الصراع، وأولئك الذين لم يوافقوا تم إطلاق النار عليهم واستجوابهم تحت تهديد السلاح أو أجبروا على المغادرة.
وقال المسؤولون «إن الغرب لا يزال منبهرًا بفوز آبي بنوبل، وتجاهل تلك العلامات التحذيرية». لكنها ساعدت في النهاية على تمهيد الطريق للحرب. وقال جيبريمسكل كاسا، المسؤول البارز السابق في إدارة آبي والمقيم الآن في أوروبا، في مقابلة: «منذ ذلك اليوم، شعر آبي بأنه أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم».
يقول المحللون إن رحلة آبي من صانع السلام إلى قائد ساحة المعركة هي قصة تحذيرية عن كيف أخطأ الغرب الذي يسعى وراء إيجاد بطل جديد في أفريقيا.
قال كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي في القرن الأفريقي سابقًا، أليكس روندوس،: «يحتاج الغرب إلى تعويض أخطائه في إثيوبيا، لقد أساءت الحكم على آبي، القضية الآن هي ما إذا كان يمكن منع بلد يبلغ عدد سكانه 110 ملايين نسمة من الانهيار».
كان خطاب آبي أحمد فترة جائزة نوبل دليلًا إضافيًا على وجود قائد استثنائي. في الأشهر الأولى له في السلطة، أطلق آبي، الذي كان آنذاك 41 عامًا، سراح سجناء سياسيين، وفك قيود الصحافة ووعد بإجراء انتخابات حرة في إثيوبيا. كان اتفاق السلام الذي أبرمته مع إريتريا بمثابة بداية سياسية لمنطقة القرن الأفريقي التي مزقتها الصراعات.
وقال هنريك أوردال، من معهد أبحاث السلام في أوسلو، الذي يحلل قرارات لجنة نوبل، إن اللجنة النرويجية المكونة من خمسة أعضاء كانت تغامر بآبي أحمد. وأكد أوردال إن إصلاحات آبي الشاملة كانت هشة، وأن السلام مع إريتريا ركز على علاقته برئيس إريتريا، وهو حاكم استبدادي لا يرحم ومتشدد في المعركة.
وبحسب التقرير، اكتسب جواسيس إريتريا ميزة. قال مسؤول أمني إثيوبي كبير إن المخابرات الإثيوبية رصدت تدفق عملاء إريتريين، تظاهر بعضهم بأنهم لاجئين، وقاموا بجمع معلومات حول القدرات العسكرية لإثيوبيا وكانوا مهتمين بشكل خاص بتيجراي.
كان لدى رئيس إريتريا أسياس ضغينة طويلة ومريرة ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي هيمنت على إثيوبيا لما يقرب من ثلاثة عقود حتى وصل آبي إلى السلطة في عام 2018. وألقى باللوم على قادة تيجراي في حرب الحدود الشرسة بين إثيوبيا وإريتريا في الفترة من 1998 إلى 2000، حيث قٌتل فيها ما يصل إلى 100 ألف شخص. كما ألقى باللوم عليهم في عزلة إريتريا الدولية، بما في ذلك عقوبات الأمم المتحدة.
بالنسبة لآبي أحمد، كان الأمر أكثر تعقيدًا. خدم في الائتلاف الحاكم الذي يهيمن عليه الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي لمدة ثماني سنوات وتولى منصب وزير في عام 2015. ولكن بصفته من عرقية الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، لم يشعر أبدًا بالقبول التام من قبل التيجراي وعانى العديد من الإذلال، على حد قول مسؤولين سابقين وأصدقاء. وأقال التيجراي، آبي أحمد، من منصبه القيادي في وكالة استخبارات قوية في عام 2010.
رئيس المخابرات الإريترية بين المطربين والراقصين
أظهرت السجلات العامة والتقارير الإخبارية أن آبي أحمد وأسياس التقيا 14 مرة على الأقل من وقت توقيع اتفاق السلام حتى اندلاع الحرب.
وقال مسؤولان إثيوبيان سابقان إن الاجتماعات كانت في الغالب على نحو غير عادي على انفراد من دون مساعدين أو تدوين الملاحظات.
كما التقيا سرًا في ثلاث مناسبات أخرى على الأقل في عامي 2019 و2020، سافر أسياس إلى أديس أبابا من دون سابق إنذار، على حد قول مسؤول سابق. صدرت تعليمات لسلطات الطيران بالتزام الصمت، وأُرسلت سيارة لا تحمل أي علامات لتقله إلى مجمع آبي أحمد.
في ذلك الوقت، كان المسؤولون الإريتريون يزورون بانتظام منطقة أمهرة، التي لها تاريخ طويل من التنافس مع التيجراي. احتشدت الحشود في الشوارع عندما زار أسياس أمهرة في نوفمبر 2018 مرددين هتافات، «أسياس، أسياس، أسياس».
في وقت لاحق، قامت فرقة من المطربين والراقصين الإريتريين بزيارة أمهرة. لكن المسؤول الإثيوبي الكبير قال إن الوفد ضم رئيس المخابرات الإريترية، أبراهها كاسا، الذي استغل الرحلة للقاء قادة أمن أمهرة. ووافقت إريتريا لاحقًا على تدريب 60 ألف جندي من قوات الأمهرة الخاصة، وهي وحدة شبه عسكرية انتشرت لاحقًا في تيجراي.
في حديثه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، في فبراير 2019، دعا آبي أحمد إلى اندماج فعال بين إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، وهو اقتراح أثار استياء المسؤولين الإثيوبيين الذين رأوا أنه مستوحى من خطة وضعها أسياس.
الرؤى المتضاربة تؤدي إلى الحرب
اعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن التيجراي يشكلون تهديدًا لسلطته -وربما حتى حياته- منذ أيامه الأولى في السلطة.
وقال أحد معارفه إن التيجراي كانوا يفضلون مرشحًا آخر لمنصب رئيس الوزراء، وقال آبي لأصدقائه إنه يخشى أن يكون مسؤولو الأمن في التيجراي يحاولون اغتياله.
قال مسؤول إثيوبي سابق لنيويورك تايمز، أُمر آبي أحمد الجنود بالوقوف حراسة في كل طابق من منزله، وتخلص من عرقية التيجراي فى التفاصيل الأمنية الخاصة به وأنشأ الحرس الجمهوري، وهو وحدة منتقاة بعناية تحت سيطرته المباشرة.
أدى مقتل قائد الجيش الإثيوبي، الجنرال سيري ميكونين، غير المبرر، وهو من عرقية التيجراي الذي قُتل برصاص حارس شخصي في يونيو 2019، إلى تصاعد التوترات.
وكانت الخلافات السياسية العميقة مدفوعة بالخلاف مع التيجرايين. في غضون أسابيع من قرار جائزة نوبل، أنشأ آبي حزب الازدهار، الذي جسد رؤيته لحكومة إثيوبية قوية ومركزية.
لكن هذه الرؤية كانت لعنة لملايين الإثيوبيين الذين يتوقون إلى مزيد من الحكم الذاتي الإقليمي، لا سيما التيجراي وأفراد مجموعته العرقية الأورومو.
يشكل الأورومو حوالي ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 110 ملايين نسمة ولطالما شعروا بأنهم مستبعدون من السلطة. كان كثيرون يأملون أن يؤدي صعود آبي إلى تغيير ذلك.
وفي أواخر عام 2019، اندلعت اشتباكات عنيفة بين ضباط الشرطة والمتظاهرين في جميع أنحاء منطقة أوروميا، وبلغت ذروتها في يونيو 2020 بوفاة مطرب شعبي. وفي ظل هذه الخلفية المضطربة، تسارع الانزلاق نحو الحرب.
قال مسؤول إثيوبي كبير إن طائرات الشحن العسكرية الإثيوبية بدأت في القيام برحلات سرية ليلًا إلى قواعد في إريتريا.
وأكد المسؤول السابق إن كبار مساعدي آبي ومسؤوليه العسكريين ناقشوا بشكل خاص مزايا الحرب في تيجراي. وكان من بين المنشقين قائد الجيش الإثيوبي الجنرال آدم محمد.