خالد أبو هريرة : كيف نشر العثمانيون الشذوذ الجنسي في العراق؟
ضمن أحاديثه عن التفسخ الخلقي الذي ضرب العراق خلال العصر العثماني، اعتبر عالم الاجتماع الشهير علي الوردي ظاهرة اللواط أحد أبرز المظاهر الدالة على هذا التفسخ وأكثرها تعبيراً عنه. فكيف كان ذلك؟.. المقال التالي يجيب بناء على دراسة الوردي عن اللواط في العراق العثماني، والموزعة بين كتابيه: «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي»، و«لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث»..
ففي الكتاب الأول، يعدد أستاذ الاجتماع الأسباب التي جعلت الشذوذ الجنسي شائعاً في أرض الرافدين، ويفرد فقرة كاملة عن التراث الانكشاري/المملوكي المعروف ارتباطه المباشر بممارسات اللواط. يقول علي الوردي عن ذلك التراث: «كان أفراد هذا الجيش يؤخذون منذ طفولتهم فيوضعون في مدارس داخلية ليتعلموا فيها على فنون القتال. والمعروف عن تلك المدارس في عهودها المتأخرة أنها كانت غير سلمية من الناحية الخلقية. وربما كان تلاميذها يمارسون اللواط فيما بينهم، أو يمارسه فيهم المعلمون. وقد كان المماليك يشبهونهم في ذلك، إذ كانوا مثلهم يؤخذون في طفولتهم ويربون في مدارس داخلية. وقد تحكم المماليك في العراق على مدى ثمانين سنة تقريباً، ثم تم القضاء عليهم في نفس الوقت الذي قضي فيه على الانكشارية».
وقد زاد الوردي بعض التفاصيل عن المماليك خصوصاً في كتابه «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث»، فقال: «حين كان يؤتى بهم وهم صبيان إلى بغداد، ثم يودعون المدارس الداخلية الخاصة بهم، قد يتعاطون اللواط فيما بينهم أو يتعاطاه معهم المعلمون. والواقع أن تلك المدارس لم تكن سليمة من الناحية الخلقية، ولم يكن الولاة يكترثون لما يجري فيها ما دامت تخرج لهم الموظفين الحاذقين والقادة الشجعان».
وبالعودة إلى كتاب «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي»، نرى الوردي يقول: «كان اللواط منتشراً في أوساط الحكم في العهد الذي كان المماليك والانكشارية يتولون زمام الأمور فيه. وهذا جعل اللواط أمراً مألوفاً أو محترماً بين الناس كما لا يخفى. وقد بقي هذا الاعتبار الاجتماعي سائداً في المدن العراقية حتى عهد متأخر».
بلغت نسبة انتشار الشذوذ الجنسي في العراق العثماني نحو 40 % من سكان المدن. والوردي يقول في كتابه «لمحات اجتماعية»: «يتضح انتشار اللواط في المقاهي عادة. فقد كان من الأمور المألوفة أن يجلس الرجل فيها ومعه غلامه الخاص به. فهو لا يفارقه إلا قليلاً. واعتاد بعض الوجهاء والأغنياء أن ينفقوا على غلمانهم، فيشترون لهم الملابس الفاخرة، ويكفونهم حاجاتهم المعيشية المختلفة، وقد يشركونهم في أعمالهم. ولم يكن الرجل منهم يستحي من ذلك، وربما افتخر به في بعض الأحيان. ولا تزال بقية من هذه العادة موجودة حتى يومنا هذا».
وعن طرق انتقال اللواط من المماليك إلى أهالي بغداد، يقول: «أولئك الصبيان المجلوبون كثيراً ما كانوا يخالطون سكان بغداد، وهم قد يقعون تحت تأثير الإغراء عند مخالطتهم بعض الفساق المنحرفين. ويجب ألا ننسى أنهم كانوا في الغالب من أولي الوجوه الوسيمة والبشرة البيضاء مما يجعلهم أكثر تعرضاً للإغراء من غيرهم. ولم يكن لديهم آباء يراقبونهم ويحرصون على سلامة أخلاقهم، ولهذا كانوا ينجرفون في طريق الانحراف دون رادع أو حياء».
يتابع: «وحين يرتقي أحد هؤلاء في كبره إلى منصب رفيع من مناصب الحكومة، يصبح موضع حديث الناس ودهشتهم. إن أبشع عار في المجتمع العراقي هو أن يكون الرجل ملوطاً به في صغره، وقد يصفه الناس بأنه (مكسور العين) لأنه لا يستطيع أن يواجه الناس بملء عينيه، وهم يسخرون ويتهكمون عند وصول رجل بهذه الصفة إلى مركز رفيع من مراكز المجتمع أو الحكومة. ويخيل لي أن هذا هو منشأ الفكرة التي راجت في الأوساط الشعبية في بغداد – وظلت رائجة حتى عهد متأخر – ومؤداها أنه لا يرتفع في المناصب إلا من كان ملوطاً به. فمن المحتمل في تفسير ذلك أن رجلاً من فساق بغداد صادف أن لاط بأحد صبيان المماليك ثم تسنم هذا الصبي في كبره منصباً رفيعاً من مناصب الحكومة، وربما صادف وقوع مثل ذلك لرجل آخر، فشاع الخبر بين العوام وصار عندهم قاعدة عامة».