رأي في الحدث

أحمد الجارالله : عندما يقاقي الديك الكويتي و… يبيض أيضاً

لأنَّ الإنسان مجموعة مبادئ فهو دائماً أمام امتحان الحفاظ عليها، وتطويرها، بما يتناسب مع قدرته على المقاومة، لكن عندما يبدأ بالتخلي عنها فهو كمن يتعرى شيئاً فشيئاً، ويصبح عبداً للخوف والوهم.
على هذا الأساس يُمكن النظر إلى ما يجري على الساحة السياسية الكويتية، حيث يتخلى البعض عن مواقفهم لأنهم يرون في ذلك خلاصاً موقتاً لهم، لكنهم يبدأون رحلة التنازلات التي لا تقف عند حد، ومما قرأت في هذا الشأن قصة قديما مفادها أن ديكاً كان يؤذن يومياً، وذات صباح قال له صاحبه: “أيها الديك، لا تؤذن وإلا سأنتّف ريشك”!
خاف الديك وقال في نفسه: “الضرورات تبيح المحظورات، ومن الذكاء أن أتنازل وأنحني قليلاً للعاصفة حتى تمر؛ حفاظاً على نفسي، فهناك ديوك غيري تؤذن”.
بعد أسبوع جاء صاحبه وقال: “أيها الديك، إن لم تقاق كالدجاجة ذبحتك”!
فقال الديك في نفسه: “من السلامة أن أتنازل وأنحني قليلاً للعاصفة حتى تمر، حفاظاً على نفسي”.
وتمر الأيام وديكنا الذي كان يوقظنا صباحاً بات كأنه دجاجة، وبعد شهر جاء صاحبه وقال: “أيها الديك، الآن إما أن تبيض كالدجاج وإما سأذبحك غداً”!
عندها بكى الديك وقال: “يا ليتني مت وأنا أؤذن”!
هكذا تبدأ سلسلة التنازلات عن المبادئ والقيم والأخلاق، تكون بداية بالتخويف وتصل في النهاية إلى عبودية الوهم، فمن أسوأ ما يمكن أن تمر به أي دولة انعدام إحساس المسؤولين بالمسؤولية، وتحويل الأحداث إلى مناسبات لإثبات القدرة على ابتزاز الطرف المقابل، وكأن الأوطان ملاعب لتسجيل النقاط، من دون أن يرف لهؤلاء جفن، فيما البلاد تدفع الثمن الباهظ تلو الآخر، ما يجعلها تسير في منحدر نحو القاع.
منذ نحو عام ونصف العام تزدحم وسائل الإعلام بتصريحات النواب المعارضين، الذين دائماً يرفعون السقف إلى أقصى مدى، بينما في المقابل تخلت الحكومة السابقة عن مسؤوليتها التنفيذية؛ لأنها كانت مطمئنة إلى أن اللهجة القاسية التي يتكلم بها أعضاء السلطة التشريعية ليست أكثر من صياح ديك سرعان ما يتخلى عنه عندما تدغدغ مشاعره بشيء من التنازلات الوهمية، فيما كانت مرتاحة جداً لعدم الإنجاز لعلمها أن أحداً لن يُحاسبها، فمجلس الأمة مشغول بلعبة الكراسي، والحصول على العفو.
صحيح أن النواب الذين كان صوتهم أعلى من غيرهم، نالوا ما كانوا يطمحون إليه، لكنهم تنازلوا كثيراً، فيما الحكومة التي أقسمت اليمين أمس، لم تكن أفضل حالاً، بل إن ما جرى في جلسة مجلس الأمة، يعني أن الموج سيكون عالياً ضدها، وهي كما عودتنا في الأعوام الثلاثة الماضية ستقول كما قال الديك في قرارة نفسه: “الضرورات تبيح المحظورات، ومن الذكاء أن أتنازل”، وهو أيضاً لسان حال النواب، لذلك علينا انتظار المزيد من اليأس من أي إصلاح يُرتجى من مجلس وحكومة وقعا ضحية عبودية المنصب والخوف من الوهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى