السيـد زهــره : كيف يصبح مجرم الحرب فارسا؟!
عاصفة من الغضب تجتاح بريطانيا هذه الأيام. السبب ان توني بلير ريس الوزراء البريطاني الأسبق تم منحه وسام «فارس» الذي يؤهله لحمل لقب «سير»، وجاء الإعلان في إطار قائمة الشرف الملكية بمناسبة السنة الجديدة، وهو تقليد معتاد لتكريم من يقدمون خدمات مرموقة في مختلف المجالات للمملكة المتحدة.
بمجرد إعلان منح بلير هذا الوسام الرفيع تم تدشين عريضة احتجاج تطالب بسحب هذا التكريم. العريضة وقعها مئات الآلاف من البريطانيين، بلغ عددهم حتى كتابة هذه السطور أكثر من 700 ألف بريطاني.
وجاء في نص العريضة: «تسبب توني بلير في ضرر لا يمكن إصلاحه لدستور المملكة المتحدة ولبنية مجتمع الأمة ذاته. وهو يتحمل شخصيا مسؤولية مقتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء والمشاركة في النزاعات المختلفة. ولهذا وحده، يجب أن يحاسب على ارتكاب جرائم الحرب».
وأكدت العريضة أن توني بلير بالذات، أقل شخص يستحق نيل جوائز وأوسمة حكومية. ودعت رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إلى مناشدة الملكة إليزابيث الثانية لتجريد بلير من هذا الوسام.
كما نرى، هذه العريضة لا تطالب فقط بسحب الوسام من بلير، وانما تطالب أيضا بمحاكمته كمجرم حرب.
ومن الواضح ان ما جاء بالعريضة لا يعبر فقط عن رأي الموقعين عليها فقط، وانما يعبر بشكل عام عن توجه الرأي العام البريطاني. أُجري استطلاع لآراء البريطانيين حول منح الوسام لبلير جاءت نتائجه: 63% قالوا انهم يرفضون منحه الوسام، 41% قالوا انهم يرفضون بشدة، و14% فقط قالوا انهم يوافقون. أي ان الأغلبية الساحقة من البريطانيين غاضبون ومستاؤون من تكريم بلير.
موقف الرأي العام البريطاني من بلير ليس جديدا. لطالما عبر عنه مرارا، ولطالما طالب كثير من البريطانيين بمحاكمته.
والأمر المؤكد ان الذي اجج هذا الغضب العام أكثر اليوم هو ان بلير سبق ان ادانته لجنة تحقيق برلمانية كبرى هي لجنة شيلكوت التي اصدرت تقريرها في عام 2016.
تقرير لجنة شيلكوت أدان غزو واحتلال العراق وادانت بصفة خاصة الدور الذي لعبه بلير وحملته مسؤولية ما جرى وما ارتُكب من جرائم.
التقرير اعتبر ان الغزو لم يكن له مبرر وكان خارج نطاق القانون الدولي وحمل بلير مسؤولية ما جرى بعد الغزو.
واعتبرت اللجنة أن بريطانيا بقيادة بلير أضعفت سلطة مجلس الأمن بالتصرف من دون الحصول على تأييد الأغلبية للتحرك العسكري، وأن الأسس القانونية للتدخل العسكري البريطاني في العراق «ليست مرضية».
واتهمت اللجنة بلير بأنه كان مجرد تابع لجورج بوش وقال التقرير إنه وعد في 2002 الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش باتباع خطواته «مهما حصل» حتى قبل حرب العراق.
اذن التقرير كان بمثابة ادانة كاملة لبلير. من الطبيعي ان يكون لسان حال البريطانيين الغاضبين اليوم هو: كيف يمكن بعد هذا وبعد هذه الإدانة ان يتم تكريم بلير على هذا النحو؟.. كيف يمكن ان يصبح مجرم الحرب فارسا؟
القضية كما نلاحظ لها جوانب أخلاقية وقانونية وسياسية مهمة لا تهم بريطانيا فقط وإنما العالم كله. ما ارتكبه بلير من جرائم حرب في العراق هي جرائم دولية اذ يعتبر مسؤولا مباشرة عن مئات الآلاف الذين قتلوا وما حل بالعراق من خراب ودمار وما حل ببريطانيا نفسها.
لهذا، أحد الجوانب المهمة في القضية المثارة حاليا بعد تكريم بلير هو أي نوع من الرسائل يحمله هذا التكريم؟
البعض في بريطانيا يدافع بالقول ان منح هذه الوسام امر روتيني يتم مع كل رؤساء الوزراء. لكن مع رجل ارتكب هذه الجرائم لا يصبح الأمر روتينيا. الأمر ينطوي، حتى ولو ان هذا ليس مقصودا بالطبع، على رسالة مفادها ان أي مسؤول بمقدوره ان يرتكب ما يشاء من خطايا وجرائم وليس له ان يخشى عقابا، بل وقد يلقى التكريم بدلا من ذلك.
عموما في كل الأحوال في حكم التاريخ والقانون الدولي سوف يظل بلير وجورج بوش من أكبر مجرمي الحرب في التاريخ، وجرائمهما لا تسقط بالتقادم.