حين تتكلم تيغراي بالعربية يحضر النجاشي وحماية الصحابة
على مواقع التواصل الاجتماعي، يخاطب نشطاء مسلمون من إقليم تيغراي الإثيوبي الجمهور العربي لكسبه إلى صفهم في نزاعهم مع الحكومة الإثيوبية، مستفيدين من ثقافتهم العربيّة والإسلاميّة، ومن رمزيّة منطقتهم التي حمت أصحاب النبيّ محمد من الاضطهاد قبل خمسة عشر قرناً.
ومن الواضح أن النزاع الإثيوبي يثير اهتمام العرب، لأسباب تاريخية وجيوسياسية. وبعد أن كانت المنشورات العربيّة عن إثيوبيا تكاد تنحصر في السنوات الماضية بحسابات وصفحات مصريّة وسودانيّة، مدفوعة بالقلق الذي يشكّله مشروع سدّ النهضة الإثيوبي في هذين البلدين، ساهمت صفحات وحسابات باللغة العربية لناشطين مؤيدين لـ”جبهة تحرير شعب تيغراي” التي تخوض حرباً ضد قوات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في توسيع دائرة هذا الاهتمام، وفي جعل عشرات آلاف العرب يتابعون الصراع الإفريقيّ الدائر على بعد آلاف الكيلومترات عنهم، في أعماق الهضبة الحبشيّة.
ويقول مصطفى حبشي (اسم مستعار)، وهو ناشط من إقليم تيغراي يُحسن اللغة العربية، لوكالة فرانس برس في اتصال عبر الإنترنت، “معرفتنا باللغة العربية وثقافتنا الإسلاميّة تساعداننا على مخاطبة العالم العربي والإسلامي حول قضيّة شعبنا”.
لذا، ينشر هذا الناشط الثلاثينيّ على موقعي فيسبوك وتويتر أخباراً وصوراً ومقاطع مصوّرة عن سير المعارك أو عن الحالة الإنسانيّة المتردّية في الإقليم. وتستضيفه أحياناً محطّات تلفزيونية عربيّة أو دوليّة ناطقة بالعربيّة ليتحدث عن النزاع.
في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، شنّ آبي أحمد حملة عسكريّة واسعة النطاق على إقليم تيغراي ردّاً على هجمات على ثكنات للجيش، وفق ما أعلن رسميا، وتمكّنت قواته من دخول عاصمة الإقليم، قبل أن تأخذ الحرب منعطفات جديدة مع استعادة “جبهة تحرير شعب تيغراي” السيطرة على الإقليم.
وعلى وقع المعارك الضارية، حصدت منشورات تتضمّن كلمة “إثيوبيا” باللغة العربية على فيسبوك نحو سبعين مليون تفاعل، بحسب ما تُظهر بيانات موقع “كراود تانغل” المتخصص في تحليل شبكات التواصل.
وللمقارنة، بلغ عدد التفاعلات في العام السابق أقلّ من أربعين مليوناً (نوفمبر 2019- نوفمبر 2020) كان معظمها في تموز/يوليو 2020، أي بالتزامن مع إعلان أديس أبابا إنهاء المرحلة الأولى من ملء سدّ النهضة وما أثاره من ردود فعل.
وتعليقا على شريط فيديو بالعربية بثته قناة “Weyani Digital media”، وهي قناة على الإنترنت مؤيدة لـ”جبهة تحرير شعب تيغراي”، كتب أحمد المهب على تويتر، “شكراً لكم على هذه الحلقة باللغة العربية التي جعلتنا نفهم ماذا يجري في إثيوبيا وفي تيغراي بصفة خاصّة”.
و”ويّاني” هو الاسم الشائع منذ عقود عن مقاتلي التيغراي.
وتتضمن المنشورات إجمالا استشهادات شائعة في الثقافة العربيّة والمفردات الإسلامية.
وتندّد حسابات تيغراويّة مثلاً بما تقول إنه تدخّل لدول عربية وإسلاميّة وإفريقية الى جانب حكومة أبي أحمد، وتدعو العرب والمسلمين لنصرة الإقليم، مستخدمة آية أوردها القرآن على لسان أصحاب الملك داوود، النبيّ في الإسلام، أثناء حربهم ضدّ عدوّ يفوقهم عدداً وفيها “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”.
وتعليقاً على انسحاب “جبهة تحرير شعب تيغراي” من إقليم أمهرة المجاور لتيغراي في الأسابيع الماضية تحت وطأة هجوم القوات الإثيوبية، أيّد حساب “تيغراي بالعربي” الرواية الرسميّة لقادة الإقليم حول الانسحاب “التكتيكي”، قائلاً انه “ليس هزيمة وليس نهاية الحرب. إن كنت لا تعلم ذلك، ننصحك أن تقرأ عن الصحابي خالد بن الوليد”، مشيراً إلى خلفيّة تاريخيّة مترسّخة في الثقافة العربيّة عن حنكة أشهر القادة العسكريّين في تاريخ الإسلام.
وجذب هذا الحساب نحو أربعين ألف متابع على تويتر في الأِشهر الماضية. ويقدم القيّمون عليه أنفسهم على أنهم “تيغراويون مسلمون مقيمون في الخارج”. وهم يتولّون نشر ترجمات لتصريحات قادة الإقليم وأخبار ميدانية وردود على الإعلام الرسميّ أو على نشطاء مؤيدين لآبي أحمد. ويدعمون منشوراتهم باقتباسات عربية مختلفة، بينها مثلا للكاتب المصري الراحل مصطفى محمود عن “الصراع بين أهل الحقّ وأهل الباطل”.
ولا يشكّل المسلمون أكثر من 5 في المئة من عموم التيغراويين البالغ عددهم في إثيوبيا نحو سبعة ملايين والذين يدين معظمهم بالمسيحيّة الأرثوذكسيّة.
وتقول الناشطة سعاد عبده محمد “هناك من يقول إن معظم التيغراويين مسيحيون، فلِمَ نحمل نحن التيغراويين المسلمين، قضيّتهم للعالم؟”
وتجيب الناشطة المتخصّصة في التربية وفي الشريعة الإسلاميّة “التيغراي هم أهلي وعشيرتي، أما الدين فحسابه عند الله”.
وتعلّمت سعاد اللغة العربيّة بداية بفضل قراءة القرآن، وكانت تقدّم دروساً دينيّة مسجّلة على مواقع التواصل، قبل أن تنتقل خلال الحرب الأخيرة إلى هذا الدور الإعلاميّ.
ويروي تاريخ الإسلام أن النبيّ بعث جماعات من المسلمين إلى بلاد الحبشة هرباً من الاضطهاد الوثنيّ، قائلاً لهم إن فيها “ملكاً لا يُظلم عنده أحد”. وبحسب المراجع الإسلاميّة الأولى، تعاطف هذا الملك المسيحي “النجاشي” مع اللاجئين المسلمين فحماهم وأسكنهم في مملكته إلى أن اشتدّ عود الإسلام.
ولما توفّي النجاشي، أمر النبيّ أن يُصلى عليه.
في بلدة نجاش الواقعة في إقليم تيغراي، ينتصب مسجد يُعتقد أنه بُني في ذلك الزمن على أيدي أصحاب النبيّ المهاجرين. وتعرض المسجد، مع اندلاع النزاع العام الماضي، للقصف. وقال سكّان محليون لوكالة إن جنوداً من الجيش الإريتري المتحالف مع الجيش الإثيوبي، نهبوه أثناء اقتحامهم الإقليم.
على موقع “يوتيوب”، وتحت وسم “أوقفوا قصف تيغراي”، قال ناشط مسلم من الإقليم قبل أشهر في مقطع فيديو “حمت هذه المنطقة الإسلام، ولها الفضل في أنني أنا مسلم الآن”.
ثم خاطب مسلمي العالم باللغة الإنكليزيّة قائلاً “مثلما كنتم بحاجة لهذه المنطقة في الماضي، الآن هذه المنطقة بحاجة لكم”.
*middle-east