محمد حسن الحربي: نظرة إلى تاريخ الخليج
لا يُمل الرجوع بين الحين والآخر إلى بعض كتب التاريخ الخاصة بمنطقة الخليج والجزيرة العربية، لأسباب عدّة من بينها تلمس حجم التحديات التي كانت تواجهها شعوب المنطقة في مرحلة زمنية محددة من تاريخها الوطني، ومعلوم أن القوى الخارجية أينما ذهبت، دائماً ما تستهدف الموقع الجغرافي الحيوي أو الموارد الطبيعية الغنية.
يسترعي انتباه المهتم في مثل هذه الكتب القيمة التي سأعرض لاثنين منها، أن هنالك ماكينة إعلامية دائماً ما كانت ترافق تلك القوى التوسعية في رغبتها المستعرة للسيطرة والنفوذ، كقوة ناعمة إلى جانب الصلبة، تعمل على تشويه الحقائق وصناعة الأكاذيب ونشرها لتدمير نفسيّة الطرف المتحدّي والنيل من إرادته تمهيداً لهزيمته.
في كتاب (من المحل إلى الغنى: قصة أبوظبي) لمؤلفه محمد عبد الجليل الفهيم، وردت هذه الفقرة: (كانت إنجلترا تحمي مصالحها في الهند بحرص شديد. وكان الفرنسيون يحاولون تحقيق أهدافهم الاستعمارية عن طريق إنشاء مركز تجاري في المحيط الهندي، بحيث يتمكنون من تزويد سفنهم بالإمدادات وتعزيز روابطهم مع الشرق الأقصى. وأخيراً بنوا لهم قاعدة في «أيل دو فرانس» على جزيرة «ريونيون»، ومنها بدأوا بالتعرض للسفن البريطانية، وبدأت أعمال القرصنة تعرفُ طريقها إلى مياه الخليج. ورغم ذلك فقد كان اللوم دائماً ما يُلقى على البحارة العرب). والمقصود أنه جرى إلصاق تهمة القرصنة بشعوب المنطقة.
ويضيف الفهيم في السياق ذاته قائلاً: (كما قامت البحرية الفرنسية بقصف وتدمير المركز البريطاني في بندر عباس في العام 1759، ما اضطر البريطانيين إلى الانتقال إلى بوشهر، حيث أنشأوا مركزاً جديداً يشرفون منه على النشاطات التجارية في المنطقة).
وتهمة (القرصنة) التي صنعتها الماكينة الإعلامية الأجنبية وألصقتها بشعوب منطقة الخليج الذين يركبون البحر للتجارة منذ آلاف السنين، لم يعرض لها دحضاً وتفنيداً كما ينبغي سوى كتاب قيم بتقديري عنوانه «القواسم والعدوان البريطاني 1797 – 1820م» لمؤلفه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، فقد كتب يقول: (أما ج ب كيلي في كتابه بريطانيا والخليج الفارسي، فيقول بتعميم مطلق: على مدى القرون اكتسب الشاطئ الجنوبي للخليج شهرة بأنهم قراصنة. وفي رأيي أنه ليس في ما قاله كيلي أي قدر من الصدق على الإطلاق، فلقد كان الخليج دائماً هادئاً مسالماً، وكان حلقة اتصال بين الشعوب المقيمة على جانبيه أكثر مما كان حاجزاً يفرقهم).
وعلى منوال (شهد شاهد من أهلها) يورد الكتاب براءة معززة من هذه التهمة الكاذبة، وردت تلميحاً على لسان فيليب فرانسيس عضو البرلمان البريطاني، في مناقشة بمجلس العموم عن شؤون شركة الهند الشرقية البريطانية، يقول فيليب: (كلما وجد الحاكم العام والمجلس ميلاً في أنفسهم إلى شن حرب على جيرانهم استطاعوا في كل وقت أن يلفقوا حجة تناسب غرضهم). بمعنى أنهم يخلقون على الأرض، كلما استدعت الحاجة، موجباً من نوع تهمة كهذه لشرعنة تنفيذ ما خططوا له واستهدفوه من مصالح لدى الآخرين.
كان هذا بالأمس، أما اليوم فالعالم ينظر إلى هذه البلاد المزدهرة والمتوثبة بخطى ثابتة نحو المستقبل، أنها تمثل المعيار النموذجي للتقدم والرقي واستشراف المستقبل.