سعد بن طفلة العجمي : لماذا العدوان على أبو ظبي؟
للهجوم على أبو ظبي هذا الأسبوع من قبل مسيّرات الحوثي أسباب وأهداف مختلفة. قبل الخوض فيها علينا أن نؤكد أن هذا الاعتداء جريمة جبانة، طاولت أبرياء وأهدافاً مدنية بدولة عربية، وبأهم وربما أجمل المدن العربية الحديثة: أبو ظبي.
على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة سحبت جيشها القتالي من اليمن، وبقيت مساندة للشرعية اليمنية والدولية، وعلى الرغم من أنها تحاول انتهاج سياسة وسطية مع كل دول المنطقة، بما فيها إيران، فإنها تعرّضت وللمرة الأولى لقصف عاصمتها ومطارها المدني من قبل ميليشيات الحوثي الإيرانية، فلماذا هذا الاستهداف؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟
توجد أسباب حوثية، وهناك أسباب إيرانية لاستهداف العاصمة الإماراتية.
حوثياً: تعيش ميليشيات الحوثي حالة من الاختناق والتراجع على جبهات القتال، ويخسرون يومياً في الأرواح والمعدات، فتراجعوا عن مأرب النفطية، الدجاجة التي كان يمكن أن تبيض لهم ذهباً أسود، وخسروا شبوة التي حررتها ألوية العمالقة بإسناد من التحالف العربي.
بل كانت ضربة نفسية موجعة أن يخرج الناطق باسم التحالف العربي، العميد تركي المالكي، بجانب محافظ شبوة من شبوة نفسها بمؤتمر صحافي يعلن تحريرها من براثن ميليشيات الحوثي الإيرانية، وهو الأمر الذي دفع بمعنويات القوات الشرعية والتحالف والشعب اليمني عالياً، وعزز الأمل بقرب انتهاء كابوس الانقلاب الحوثي في صنعاء.
وكان موت السفير الإيراني بصنعاء، حسن إيرلو، ضربة نفسية أخرى للحوثيين، لأهمية دوره الراعي والمنسق للاعتداءات الحوثية لما يملكه من خبرة عسكرية طويلة، وليس خبرة دبلوماسية في السياسة الدولية.
قيل إنه أصيب على جبهات القتال، فنقل لإيران للعلاج، لكنه تُوفي هناك. أمّا الرواية الرسمية الإيرانية فتقول إنه أصيب بكورونا، ونقل إلى إيران ومات فيها.
كما حقق التحالف العربي اختراقات معلوماتية واستخباراتية نوعية، أدّت إلى ضربات بالطيران على أهداف محددة ومهمة استراتيجياً وعسكرياً، ووردت تقارير عن إصابة عبد الملك الحوثي نفسه جراءها، وهو الأمر الذي زاد الطين بلة بمعنويات الحوثيين، فبدأ التراشق بينهم والاتهامات بالخيانة والتخابر مع “الأعداء”، مما خلق حالة بلبلة داخلية في صفوفهم.
كل هذه الأسباب مجتمعة دفعت ميليشيات الحوثي إلى التفكير بعمل “مثير” يعيد بعضاً من المعنويات، ويشتت الأنظار عن تراجعات وهزائم الداخل، وتُوحي بأن الأمور على ما يرام، وهي ليست كذلك، فقاموا باختطاف السفينة روابي قبالة ميناء الحديدة بالبحر الأحمر، لكن تلك القرصنة لم تكن كافية، فكان الاعتداء على أبو ظبي.
إيرانياً: من نافل القول إن الحوثي يجري تمويله وتسليحه وتدريبه وتوجيهه من إيران، فللإيرانيين هدفان من مسألة قصف أبو ظبي، الأول: استراتيجي يتمثل بضرورة استمرار الحرب باليمن كجزء من استراتيجية طهران لزعزعة استقرار المنطقة لإضعافها والقدرة على التدخل فيها والتحكم بها، والثاني هدف تكتيكي نمساوي يرونه مرحلياً، فالهدف هنا هو المباحثات النووية الجارية بفيينا بين إيران والدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا، وإيصال رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية بقصف حلفائها الخليجيين في عمق دارهم وأهم مدنهم المزدهرة.
والرسالة مفادها: ارفعوا الحصار، وأوقفوا العقوبات لسرعة العودة إلى اتفاق الـ 5+1 النووي الذي ألغاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، فإن بأيدينا أوراقاً كثيرة يمكن أن نضر بها مصالحكم ومصالح حلفائكم بالمنطقة.
لم يفتّ القصف الحوثي لأبو ظبي في إرادة الإمارات، ولم يضعف الموقف الخليجي المتضامن معها من دون استثناء، بل وحتى الموقف الدولي الذي دان اختطاف السفينة، ودان قصف المدن الآمنة. صحيح أن هذا الاعتداء خلّف ثلاثة قتلى وستة جرحى أبرياء، لكنه يبقى بجوهره فرقعة إعلامية أكثر منه هجوماً عسكرياً.
وقد قرأ كثيرون أن قصف أبو ظبي ليس دليل قوة الحوثي ومن ورائه بطهران، لكن يعتبره مراقبون بمثابة النزع الأخير وسكرات الموت التي تعاني منها ميليشيات الحوثي، وإن غداً لناظره قريب.