رأي في الحدث

جعفــرعبــاس: ولكنهم في النائبات قليل

سنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أطفالا‭ ‬ثم‭ ‬نبلغ‭ ‬مراحل‭ ‬الشباب‭ ‬ثم‭ ‬نستوي‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء‭ ‬راشدين‭ ‬أو‭ ‬ضالين‭ ‬ثم‭ ‬عجائز‭ ‬وكهولا،‭ ‬ويفترض‭ ‬ان‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬عمرية‭ ‬الى‭ ‬أخرى‭ ‬يكون‭ ‬مصحوبا‭ ‬باكتساب‭ ‬خبرات‭ ‬جديدة،‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬هنا‭ ‬وتستدركها‭ ‬وتتفاداها‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬لاحقة،‭ ‬وقياسا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يفترض‭ ‬أنني‭ ‬شخص‭ ‬‮«‬حكيم‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬وقد‭ ‬صرت‭ ‬أبا‭ ‬لأربعة‭ ‬وجدا‭ ‬لحفيدين‭ ‬أتخذ‭ ‬قرارات‭ ‬غبية،‭ ‬وأقوم‭ ‬بأفعال‭ ‬نتائجها‭ ‬وخيمة،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يجعلني‭ ‬أتشكك‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬عليها،‭ ‬فأبناء‭ ‬وبنات‭ ‬جيلي‭ ‬نشأوا‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬المطلق‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يكبرهم‭ ‬سنا‭ ‬باعتبار‭ ‬أنهم‭ ‬عقلاء،‭ ‬لا‭ ‬نفرق‭ ‬بين‭ ‬غريب‭ ‬وقريب،‭ ‬فاحترام‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬واجب‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نعرفهم،‭ ‬وقبول‭ ‬توجيهاتهم‭ ‬واجب،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬ضربنا‭ ‬غريب‭ ‬يكبرنا‭ ‬سنا‭ ‬لأنه‭ ‬رأى‭ ‬أننا‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬فإننا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نصيح‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬بأن‭ ‬أمرنا‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يخصه‮»‬‭.‬

ولكنني‭ ‬استطيع‭ ‬ان‭ ‬ازعم‭ ‬ان‭ ‬تجارب‭ ‬الحياة‭ ‬عملتني‭ ‬شيئا‭ ‬مهما،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬لدي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬معشر‭ ‬الكتاب‭ ‬الصحفيين‭ ‬نحظى‭ ‬بمعرفة‭ ‬آلاف‭ ‬البشر،‭ ‬بعضهم‭ ‬بالاسم‭ ‬والشكل‭ ‬وعنوان‭ ‬العمل‭ ‬والمسكن،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬بالايميل‭ ‬والواتساب‭ ‬والمسنجر‭ ‬والفايبر‭ ‬وفيسبوك‭ ‬وزوم‭ ‬وكلوب‭ ‬هاوس‭ ‬ولا‭ ‬تعني‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الكلب‮»‬‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬اسم‭ ‬تطبيق‭ ‬في‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬للتحاور‭ ‬والندوات‭.. ‬إلخ‭. ‬وأعود‭ ‬إلى‭ ‬موضوعي‭ ‬فأقول‭ ‬إن‭ ‬التجارب‭ ‬علمتني‭ ‬ان‭ ‬‮«‬صديق‮»‬‭ ‬لقب،‭ ‬أو‭ ‬رتبة‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬منحها‭ ‬لشخص‭ ‬ما‭ ‬بسهولة،‭ ‬عملا‭ ‬بقول‭ ‬الشاعر‭: ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬الإخوان‭ ‬حين‭ ‬تعدّهم‭/ ‬ولكنهم‭ ‬في‭ ‬النائبات‭ ‬قليل‭! ‬نعم‭ ‬فطالما‭ ‬أمورك‭ ‬ماشية‭ ‬وأحوالك‭ ‬طيبة‭ ‬وأنت‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬مساعدة‭ ‬الآخرين‭ ‬فإنك‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬محاصرا‭ ‬بعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الإخوان‭/‬الأصدقاء،‭ ‬ثم‭ ‬تعطيك‭ ‬الدنيا‭ ‬ظهرها‭ ‬فتكتشف‭ ‬أنهم‭ ‬فص‭ ‬ملح‭ ‬وداب‭. ‬قلة‭ ‬منهم‭ ‬تتسم‭ ‬بالأصالة‭ ‬تبقى‭ ‬حولك‭ ‬تشد‭ ‬من‭ ‬أزرك‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يصاحبوك‭ ‬ويصادقوك‭ ‬لـ«مصلحة‮»‬،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬ولكنك‭ ‬دخلت‭ ‬قلوبهم‭ ‬وحللت‭ ‬فيها‭ ‬أهلا‭ ‬ونزلت‭ ‬سهلا‭.‬

مثل‭ ‬الكثيرين‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬قد‭ ‬مررت‭ ‬بتجربة‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬يستدين‭ ‬منك‭ ‬مبلغا‭ ‬تافها‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬يقاطعك‮»‬‭ ‬تهربا‭ ‬من‭ ‬سداد‭ ‬الدين،‭ ‬مع‭ ‬أنك‭ ‬ربما‭ ‬كنت‭ ‬ستستحي‭ ‬مطالبته‭ ‬برد‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ترفض‭ ‬قيامه‭ ‬بالسداد‭. ‬وهناك‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬وجهه‭ ‬أبدا‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تبدي‭ ‬أسفك‭ ‬لعدم‭ ‬قدرتك‭ ‬على‭ ‬تسليفه‭ ‬مبلغا‭ ‬معينا،‭ ‬وعندما‭ ‬دخلت‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬حولي‭ ‬مهووسين‭ ‬بالادخار‭. ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬أتيت‭ ‬الى‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬السبعينيات‭ ‬وتحسنت‭ ‬أوضاعي‭ ‬المالية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هلع‭ ‬بسبب‭ ‬المال‭.. ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتبادل‭ ‬الهدايا‭ ‬الباذخة‭ ‬ولكننا‭ ‬كنا‭ ‬نقدم‭ ‬لبعضنا‭ ‬بعضا‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬العون‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭.. ‬ثم‭ ‬انقلبت‭ ‬الموازين‭.. ‬والله‭ ‬أعرف‭ ‬شخصا‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬صديق‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬حضوري‭ ‬مبلغا‭ ‬كبيرا‭ ‬زاعما‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ضائقة‭ ‬مالية،‭ ‬ولسوء‭ ‬حظه‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬سمعته‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬لديه‭ ‬كذا‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬وأنه‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬بضعة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬ليشترك‭ ‬في‭ ‬محفظة‭ ‬بنكية‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬بفوائد‭ ‬ضخمة‭ ‬‮«‬مضمونة‮»‬‭ ‬ولسوء‭ ‬حظه‭ ‬فإن‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ ‬لا‭ ‬يحاور‭ ‬ولا‭ ‬يداور‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬النذل‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬صاحبه‭ ‬ذاك‭ ‬شهم‭ ‬ومعروف‭ ‬عنه‭ ‬الجود‭ ‬بالموجود،‭ ‬وبدون‭ ‬تردد‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬يعني‭ ‬أنت‭ ‬تريد‭ ‬تشغيل‭ ‬نقود‭ ‬صاحبك‭ ‬لتربح‭ ‬من‭ ‬المحفظة‭ ‬البنكية‭ ‬ثم‭ ‬تسدد‭ ‬له‭ ‬المبلغ‭ ‬‮«‬على‭ ‬راحتك‮»‬‭.. ‬وحاول‭ ‬الرد‭ ‬علي‭ ‬بادئا‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬والله‮»‬،‭ ‬ولكنني‭ ‬قاطعته‭: ‬لديك‭ ‬كذا‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬الدين،‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬تستولي‭ ‬على‭ ‬القليل‭ ‬الذي‭ ‬عنده‭.. ‬أنت‭ ‬رقيع‭ ‬وصفيق‭.. ‬وصعق‭ ‬صديقه‭ ‬لـ«وقاحتي‮»‬‭ ‬فسردت‭ ‬عليه‭ ‬تفاصيل‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬السلفة‭ ‬عن‭ ‬استكمال‭ ‬المبلغ‭ ‬المحدد‭ ‬للمحفظة‭ ‬البنكية‭ ‬وأقنعته‭ ‬بأن‭ ‬خسارة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬‮«‬مكسب‮»‬‭.. ‬وخرج‭ ‬ذلك‭ ‬النذل‭ ‬وقفاه‭ ‬مشتعل‭ ‬مثل‭ ‬فرن‭ ‬مايكروويف‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى