أحمد الجارالله : نحن أمة اخترنا الهزيمة حين تخلينا عن العلم واستهوينا البقاء في الظلام
حين تتخلى الأمة، أي أمة، عن العمل من أجل المستقبل برؤية علمية واضحة، بل تنحي التفكير جانباً وتغرق في الشعوذات، لا بد لها أن تصل إلى الحال التي عليها العرب اليوم، وربما أصدق وصف لواقعنا ما قرأته لطبيب مصري نشره عام 2019، في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، يشرح فيه وبلغة بسيطة أسباب هزيمة الأمة.
مما كتب الرجل “هُزمنا لمّا تخلينا عن البحث العلمي ومشينا خلف الشيوخ والدراويش، وعندما بدأنا نقول هذا مسلم وهذا مسيحي، ولما المرأة العربية الرائعة اقتنعت بأنها عورة وناقصة عقل، مع أنها كانت شديدة الرقي والجمال منذ أقل من أربعين سنة وكانت من آلاف السنين ملكة..
هُزمنا لما أصبح المهندس والطبيب وأستاذ الجامعة يقرفصون أمام شيخ لم يحصل على الابتدائية ويستمعون له بكل تركيز، بل يخطط ويقرر لهم كل حياتهم.
وحين أتت شيخة لا قيمة لها تسيطر على ملايين النساء، وتلغي عقولهن في الدرس الديني، ويصبحن دمى تحركهن كيفما شاءت، ولما تصورنا الدين لحية ونقاباً وحجاباً وليس أخلاقا ومعاملة.
هُزمنا عندما أصبحنا نرى أن الدكتور العالم العظيم، رجل الخير مجدي يعقوب في النار لأنه مسيحي، وأن الشيخ يعقوب أعلم علماء الأمة، ولما بات يرعبنا مجرد التفكير، ولا نجرؤ حتى على مناقشة ما زرعوه في عقولنا، بل ندافع عنه باستماتة.
هُزمنا عندما غدت أعلى التبرعات لبناء دور العبادة وأقلها لمراكز البحث العلمي، وحياتنا مزايدات دينية في منتهى السخافة والزيف والسطحية، وحين لم ندرك الفرق بين المعارضة بشرف وبين قلة الأدب والسفالة، وسلمنا عقولنا لحفنة آفاقين، وفي أحسن تقدير محدودي الذكاء.
معركتنا الحقيقية ليست في مباراة كرة، بل بين العلم والحداثة أمام الجهل والتخلف، وللأسف علينا أن نعترف بالهزيمة، وأن التخلف هو المنتصر حتى اليوم، ولهذا هزمنا أنفسنا وسنبقى ننهزم طالما تخلينا عن عقولنا، احنا اتهزمنا لما بقينا دراويش”.
لقد حملت هذه الأمة هزيمتها منذ عقود طوعاً، ولم يفرضها عليها أحد. عندما لم تواجه بقوة ذلك المد الآتي إلينا من كهوف العصور الوسطى، حين رفعت فئة من العرب على اختلاف مشاربها، الدينية والطائفية، شعار “تصدير الثورة” الذي أتى به الخميني لإحياء إمبراطورية فارسية درستها حوافر خيل العرب في معركتي ذي قار وذات السلاسل، وحين أصبح حسن البنا وسيد قطب أعلم علماء الأمة يتبعهما الملايين، ويرفعونهما إلى مستوى القداسة، ويضحون بأنفسهم من أجل هذين الأفاقين.
لهذا كله لم يكن تنظيم القاعدة أو “داعش” أو ما يسمى “أحزاب الله”، وغيرها من الجماعات المتطرفة بحاجة إلى وقود لأنه موجود، وكان بحاجة إلى شرارة، فكيف إذا كان حريقاً بمادة سريعة الاشتعال هي شعار استعادة الخلافة الإسلامية، لكن وفق هوى البنا أو الخميني؟
لقد نحينا العلم جانباً منذ زمن، حتى خرائط دولنا رسمت في لندن وباريس وبروكسيل وبرلين وواشنطن، فيما كنا نتلهى بحكايات أُميين أرادوا الهيمنة على العقل العربي بخزعبلات، فيما لم يذكروا لنا أهمية الآيتين الكريمتين “فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا” و”وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ”، وكذلك الآية الكريمة “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.
لذا، اليوم حين ننظر إلى الحرائق المشتعلة في أكثر من دولة عربية، وكيف لم نستطع التصدي لها ووقفها، وكيف تنقسم الأمة على ذاتها في مواجهة أعتى غزو جاهلي توسعي، وأقصد به النظام الإيراني، المصحوب بجماعات القتل والتنكيل والتكفير، نجد أنفسنا يومياً نصنع هزيمتنا بأيدينا، ونمعن في التلذذ بلحس مبرد التخلف، ولهذا فإن اقتصاداتنا العربية تتهاوى، ومؤسساتنا الدستورية تصبح مجرد ديكورات لزوم الوجاهة أمام الأمم الأخرى أننا دخلنا العصر الحديث، فيما الديمقراطيات التي نتغنى بها مجرد مساحيق تجميل لوجه الانتهازية البشع.
لا شك أن أمة من هذا النوع لن تسطيع الخروج من مأزقها إلا إذا دخلت الحداثة والعصر بالعلم والمعرفة، والعدل، وتخلت عن كل الركام الماضوي الذي يشدها إلى الظلا