بول ناصيف عكاري : الحزب المهزوم
من المرجح أن ما نشهد عليه اليوم هو الموت السريريّ لمكونين فرخا في خضمّ الحروب اللبنانيّة اللالبنانيّة: العونيّة “البولانجيّة” والحريريّة “المادوفيّة”. الأولى قضت على الموارنة وعلى دورهم الوطنيّ والحضاريّ والثانية أفسدت وأفلست البلد. ومن المؤكد أن نهايتهما هي نتاج خياراتهما السلطويّة الفاشلة وتحالفهما المتخاذل البائس مع الخارج وبالأخصّ مع الوصاية ومن ثمّ مع قوى مرتزقة ممانعة بلباس لبنانيّ أذلتهما وحلبتهما حتى جرّدتهما من الكرامة والعزة الوطنيّة. كما تمكنت من سلب أحدهما مكون وجوده ألا وهي الحريّة التي بُني لبنان على أساسها. هذين المكونين ساهما، مع من لف حولهما، في تمكين القوة الممانعة من السيطرة على مفاصل الدولة وقرارها واستباحة السيادة الوطنية ودمار البلد على رأس شعوبه الغشيمة. أضف إلى ذلك، الموت المنتظر والمرتبط بعزرائيل لحركة “المتخومين” التي تكفلت بدمار الدولة وإدارة وتنسيق عملية الفساد والنهب بفعّالية واحترافيّة غير مسبوقة كما لم تفعله أيّة منظمة إجرامية في المعمورة. للتذكير، عندما تجعلون أنفسكم عبيداً لأحد فتطيعونه، تكونون عبيداً للذين تطيعونه (رومية 6 :12-23)
من المتعارف عليه، أنّ الأحزاب والتكتلات والحركات والتيارات (أتحت) تنشأ لتتنافس فيما بينها من أجل تحقيق أهداف وطنيّة إنسانيّة واضحة المعالم وفقاً للقوانين المرعية الإجراء والمنبثقة من الدستور والتفاهمات الوطنيّة. الخطورة أن تكون هنالك أهداف معلومة وغير معلومة، ملعونة وطنيّاً، هدفها تحقيق مكاسب للأغيار على حساب الإنسان والمجتمع، وإن دمّر البلد. والمفارقة، جميع (أتحت) أثبتوا بالممارسة والنتائج الملموسة أنه ليس لديهم أيّة أهداف وبرامج واضحة لتُحقق على أرض الوطن وأنّ لدى كل فرقة منهم مفهوم مغاير للآخر للبنان الوطن (النهائي لجميع أبنائه؟) بما يتناسب مع مصالحها الشريرة.
ولكن هنالك استثناءين: الأول والمؤكد أن (أتحت) قد تفاهمت وتضافرت فيما بينها، ضمن منظومة مافياويّة شريرة وظالمة، على سرقة أموال الناس وجنى عمرها، وتجويع الأرامل والمتقاعدين، ونهب الدولة، وكلّ ذلك من أجل المنافسة على تكديس أكبر كمية من الأموال. أمّا الثاني، فالعمل بفعّاليّة ومثابرة لتحقيق أهداف العدو الصهيونيّ في إعادة البلد إلى العصر الحجري ومن ثمّ دفنه في جهنّم.
في العقدين الأخيرين تمكّن حزب الله من السيطرة على ديناميكيّة الحركة اللبنانيّة بجميع مفاصلها وبات الحالل والرابط. أضحى الحزب أسير تحالفاته “وطبائعه المستجدّة” المستوردة ومواقفه بحيث لا يرى شرعيّة إلّا لأقواله وأفعاله وسلوكيّاته ولا يريد أن يقارب الحقيقة. الأدهى من كلّ ذلك، أنّه أوهم الناس أنّه المخلص الأوحد وأنّه يساهم في تعجيل ظهور المهدي بدءاً من اليمن السعيد وأنّ هدفه الأسمى هو تحرير القدس. ولكنّه ضل الطريق ظنّاً منه أنها تمرّ بلاسا. لماذا كلّ طرق تحرير القدس تمرّ من عند الموارنة؟
من أجل تحقيق هذا الهدف الإلهيّ أخضع الحزب بالقوة توأمه الشيعي والذي يسايره إلى أقصى الحدود لأنّه يخاف أن ينقلب عليه في أية لحظة بناء على إشارة مشغليه. كذلك، أخضع من كان عدوه اللدود من خلال اتفاق الذل مؤمناً له هيكل كرسي مهترئ والذي أضحى حطباً لجهنم. بين الخوف والإذلال الحزب غير مطمئن! عند كلّ مفصل أمنيّ ودستوريّ يمعن هذا الحزب في تعطيل المؤسسات الدستورية وحماية الفساد والفاسدين وشراء الذمم القضائيّة والأمنيّة، والمساهمة في فقدان الثقة بالبلد وتخريب علاقاته الدوليّة، حتى أصبح فاجراً وحامي الفجر وقائد المنظومة المافياويّة. أستعملت أرانب الأدغال لاستنباط ميثاقيّة تعطيليّة من هنا وديمقراطيّة تقاسميّة من هنالك. ألا تجدر محاربة الأعداء والوطن متعافي مستقر لا مديون لا غارق في الحرام ولا منقسم؟ كان حلم معظم اللبنانيين والعرب أن يأتي أحدهم ليهزم الصهاينة والأمريكيين ولكنّه تبيّن أنّه فقاعة رأسمالها حماية الحدود الإسرائيلية وبناء دويلة اغتصبت السيادة الوطنية ونهبت مقدرات الشعب اللبنانيّ. من المؤكد أن الحزب قد تجاوز الهدف الذي لن يتمكن من أن يصيبه، وبالتالي يكون فاقد البوصلة اللبنانيّة.
إن إساءات النظام الممانع قد أدّت إلى فساد دينيّ وأخلاقيّ وسياسيّ لدى الجمهورالمقاوم وحلفاءهم الأزلام. الضاحية حيث “تقبع” قيادات الحزب أصبحت مرتعاً للفقر والجريمة وتجارة وتعاطي المخدرات والسرقات والتشبيح وما شابه. أما بعلبك وجوارها أصبحت من أهم مراكز السرقات والاتجار بالممنوعات وتفلت السلاح. ناهيك بالجنوب حيث سيطر الأزلام والشبيحة من الثنائي على كامل مفاصل الحياة الاجتماعيّة. والمؤسسات الدينية الشيعيّة، والتي من المفترض أن تكون القدوة في أعمال الخير المجتمعيّ، اصبحت تابعة خانعة متخلية عن مبادئ وتعاليم العلماء الصالحين. كلّ ذلك من أجل تحرير القدس! لقد تمكنت الممانعة من خلق الخراب والدمار وأطلقوا عليه الكرامة والسلم وذلك من خلال سلوكيات وأفعال ساديّة يتلذذ أصحابها بإذلال وقهر وتحطيم الناس الآمنين. مصيبة الحزب أنّه خدع وأوهم نفسه للثمالة بأنّ الصراع الحالي يأتي له بالنصر الذي يجعله في كثير من الأحيان يستسلم لتلك لأوهام العظيمة ويجتاحه الجشع والاستيلاء على أكثر من مما هو مقدر له. لا بد من التذكير أن النتائج الظالمة تولد الغضب والمرارة والحقد لدى الجماهير ورغبة في الإنتقام عندما تسمح الظروف، وهذا من المتوقع أن يحدث!
يُحكم عليك في هذا العالم بخواتم أعمالك. النتائج الفاشلة والسيئة لا بد أن تنعكس عليك وعلى سمعتك لسنوات وسنوات. الشطارة والحنكة والذكاء أن تعرف متى تتوقف عن فعل ما تفعله وتنهي الأشياء جيدًا قبل أن تنهك نفسك ومن معك وتكثر من حولك الأعداء اللدودين. التاريخ والمنطق والتجربة يؤكدون على أنه لم ولن يتمكن أحد من الانتصار على الآخر في لبنان. كما أنّ الجميع قد انهزم في لبنان وهزموا الشعب من خلال أفعال وسلوكيات لا تمت إلى بني البشر بصلة. وبالتأكيد الحزب ليس بغريب عنهم، لا بل هو أولهم…