د. عبدالله المدني : خيرية السقاف.. مشكاة التنوير وصاحبة العطاء اللامحدود
أطلق عليها أديب ومفكر الحجاز النهضوي محمد حسن عواد لقب «الشاعرة الناثرة»، ولقبها الإعلامي الراحل عبد الرحمن الشبيلي بـ«مشكاة التنوير»، ووصفتها الشاعرة فوزية أبو خالد بـ«سنبلة المواسم وسدرة الصحراء ونخلة البلاد وسيدة الصبر والنجاح وحمالة الصعاب»، وكرمها وطنها بوسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في مهرجان الجنادرية سنة 2018.
ولادة ونشأة
تلك هي الأديبة والأكاديمية والإدارية والكاتبة الصحافية الدكتورة خيرية إبراهيم السقاف، التي ولدت ونشأت في بيت علم ودين وفكر لأسرة ذائعة الصيت وصاحبة ذكر متكرر في تاريخ الحجاز، بل إن كتب التراجم والأنساب والتاريخ تفيض بالحديث عن أرومتها العطرة، وعن فروعها وانتشارها في أرجاء الجزيرة العربية وجنوب شرق آسيا.
جدها الأكبر لأمها هو العلامة علوي بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف نقيب السادة العلويين ومفتي الشافعية بمكة وصاحب المصنفات في الفقه والعلوم والفلك. وجدها لأبيها هو قاضي قضاة مكة ونقيب السادة العلويين فيها محمد بن علوي السقاف. ووالدها هو إبراهيم بن محمد السقاف مدير عام وزارة المالية السعودية الأسبق، وأحد مؤسسي جامعة البترول والمعادن بالظهران. وزوجها هو شيخ المكتبيين الدكتور يحيى محمود بن جنيد أمين عام مكتبة الملك فهد ومكتبة جامعة الملك سعود سابقاً والأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تالياً.
نسبها الرفيع اقترن بشخصية مثالية وروح وثابة وسجايا كريمة وعشق للإبحار في دروب العلم والمعرفة، لتكتمل صورتها ببروزها على خارطة وطنها السعودي والخليجي كواحدة من الرائدات في أكثر من مجال. فهي أول سيدة تتقلد منصب وكيلة عميد شؤون الطلاب والطالبات بجامعة الملك سعود بالرياض، حيث شغلت هذا المنصب لمدة أربع سنوات أسست خلالها نظام الإسكان والأنشطة الثقافية الجامعية قبل أن تترقى وتصبح عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات في الجامعة ذاتها من 1990 إلى 1997. كما أنها أول سعودية تعين كمديرة تحرير في جريدة محلية (جريدة الرياض) في منتصف الثمانينيات. هذا عدا عن كونها أول من أشرفت على أول ملحق نسائي بتلك الجريدة، بل كانت أيضاً أول من قام بتأسيس مجلة نسائية في إطار مجلة اليمامة في مطلع السبعينيات.
ومن مظاهر ريادتها الأخرى أنها أول من كتب الزاوية الصحافية اليومية من نساء السعودية، وأول من كتبت منهن مقالاً أدبياً إذاعياً يومياً وهي على مقاعد الثانوية في ستينيات القرن العشرين، وأول من قام بتشكيل أرضية لانطلاقة المرأة الصحافية، من خلال تأسيس مكتب نسائي للصحافيات، رغم كل الضغوط والصلاحيات المحدودة والإمكانيات المتواضعة وقتذاك، فنجحت في إخراج المرأة السعودية من منزلها وعالمها المقيد إلى عالم الصحافة الوليد. هذا ناهيك عن أنها من أوائل السعوديات اللواتي كتبن الشعر والقصة القصيرة. في كل هذه المجالات بصمة خيرية بصمة من دون ضجيج أو بهرجة.
بسبب الوظيفة الحكومية الرفيعة لوالدها بوزارة المالية انتقلت خيرية مع أسرتها من مكة إلى الرياض في سن الطفولة لتعيش في الأخيرة محفوفة برعاية أب مثالي ودعوات أم حنونة ونخوة أشقاء كرماء. وهكذا تفرغت وسط هذه الأجواء الأسرية الدافئة للتفرد والتميز والإبداع في دراستها وتحصيلها، ثم في هواياتها التي تسنمتها القراءة والكتابة.
تأثرت خيرية كثيراً بوالدها الذي كان يقضي الساعات الطويلة أمامها وهو يدون ويشرح المعاملات، ما جعل مسألة الكتابة تعتمر عقلها وتولد لديها عشرات الأسئلة منذ صغرها، لتغدو الكتابة عندها، منذ سنوات دراستها بالمرحلة المتوسطة، ضمن طقوسها اليومية قبل أن تتحول إلى مهنة وإبداع على صفحات الجرائد. ويمكن هنا أن نستشهد بما كتبه محمد القشعمي في عكاظ من أنها بدأت مسيرة الكتابة في السنة الأولى متوسطة وعمرها لا يتعدى 12 عاماً، وحينما كانت تذهب للبريد لتبعث بمقالاتها للصحف كانت تضطر للبحث عن كرسي تقف عليه حتى يراها موظف البريد، فلا يعتقد أنها طفلة فيهمل رسائلها.
تحدثت خيرية عن والدها ودوره المؤثر في حياتها، في مقال لها بجريدة الجزيرة بعنوان «حكاياتي مع إبراهيم» فوصفته بالأب المثالي الذي كان لها بمثابة البوصلة، والدليل، والحادي، والمصباح. أما والدها فقال عنها: «شرفتني كثيراً بسلوكها وعلمها وأخلاقها ومعاملتها مع الآخرين ومع أسرتها.. إنني راض عنها كل الرضا.. وهى راضية، حتى الرضا يطلب الرضا عنها».
بعد أن أنهت مراحل تعليمها النظامي التحقت بكلية الآداب في جامعة الملك سعود فنالت بكالوريوس اللغة العربية وآدابها. بعد ذلك التحقت بجامعة ميزوري الأمريكية التي منحتها الماجستير في مناهج اللغة والأدب وطرق تدريسها. وبعد عودتها من الولايات المتحدة واصلت دراستها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض التي حصلت منها على الدكتوراه في مناهج دراسة وتدريس اللغة العربية وآدابها.
وخيرية التي اعتلت صهوة الأولوية بنجاح مبكر، أبت إلا أن تحقق الأولوية أيضاً في مسيرتها الأكاديمية. فمن بعد عملها عضواً بهيئة التدريس في جامعة الملك سعود وعضواً في اللجنة العلمية بمكتبة الملك عبد العزيز العامة، تمّ تعيينها وكيلة لكليات البنات بجامعة الملك سعود لتدخل تاريخ بلدها كأول وكيلة من النساء على مستوى الجامعات السعودية، وكذلك أول عميدة حينما صدر قرار بتعيينها عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات بالجامعة ذاتها.
1982
أصدرت خيرية مؤلفات أدبية وقصص قصيرة عدة، ما جعلها في صفوف الأديبات السعوديات الرائدات. ففي عام 1982 أصدرت مجموعتها القصصية «أن تبحر نحو الأبعاد» التي تضمنت 18 قصة تناولت فيها جوانب الحياة الاجتماعية في بلدها مع تركيز على عوالم المرأة السعودية المسكوت عنها، فكسرت بذلك التابوهات الاجتماعية ذات الصلة بحياة المرأة دون المس بالمسلمات الدينية والاجتماعية. ثم أصدرت كتاب «عندما تهب الريح يعصف المطر» الذي وضعت فيه تجربتها الحياتية ورسمت من خلاله مفهوم الصداقة.
كما أصدرت ثلاثة كتب بالإنجليزية تضمنت بعضاً من إبداعاتها باعتبارها من الأديبات السعوديات المتميزات ومن الأصوات النسائية ذات الحضور، وهي: «مختارات من أدب الجزيرة العربية» من تحرير سلمى الخضراء الجيوسي، «اغتيال الضوء: قصص قصيرة سعودية حديثة» من تحرير وجمع أفا هينريتشسدورف وأبوبكر باقادر، «أصوات التغيير: قصص قصيرة لكاتبات سعوديات» من تحرير وترجمة أبوبكر باقادر وأفا هينريتشسدورف وديبرا إيكرز.