محمد يوسف: الأمم لا تنسى الإهانة
لم نقف ولن نقف مع الاحتلال، بكل صوره، ومهما كانت مبرراته.
هذا فعل مرفوض، لأنه تعبير عن فكر يلغي الكرامة الإنسانية، ويعتدي على مقوماتها، دافعه القوة الذاتية وضعف الخصم، فالغزو والاجتياح والإخضاع، ونزع الحقوق واستبدال الانتماء، وتغيير الولاءات، شيء مخالف للوضع الحضاري، الذي أصبح عليه العالم، بعد التخلص من إفرازات عصور الإمبراطوريات، وحروب خطوط التجارة والممرات البحرية، وبسط النفوذ بقوة السلاح، فنحن لسنا في منتصف القرن التاسع عشر، ولسنا في بدايات القرن العشرين، يوم كانت الإمبريالية تتبع سياسة التوسع، فإذا بدولة لا تكاد تذكر اليوم، وهي البرتغال، ترسل سفناً رصت على متنها المدافع المخترعة حديثاً إلى العالم، وبأمر من ملكها أو ملكتها، المتطلعين إلى منافسة الإمبراطوريات الأخرى، ومن البحر، تقصف المدن التي تعجبها ببضع قذائف، وتخيرها ما بين التدمير أو الخضوع، فامتدت إمبراطوريتها من أمريكا اللاتينية وجزر المحيط الأطلسي والهندي والخليج، إلى شرق آسيا وجنوبها.
الكل يخطئ في تصرفاته، ولكن الأخطاء، وإن عظمت، لا تستدعي أن تعالج بغزو ودمار، واحتلال وإهانة أمة، فهذا ما يحدث الآن في أوكرانيا، وللأسف الشديد، فإن الذين أشعلوا فتيل الحرب، ما زالوا يصرخون من بعيد مهددين، وهؤلاء من انتقدناهم في الأيام الأخيرة، ومعهم الرئيس الأوكراني، الذي أغلق كل الأبواب أمام التفاوض الجاد، وتطمين جارته الكبرى، بعد أن استشعرت الخطر من تحركاته، وتكديس السلاح في أرضه، ودفع بوتين ذو الطباع الحادة، أن يتخذ قرار الغزو والاحتلال، وهنا، نتوقف بعيداً، ولا نبرر ذلك الفعل بقساوته وأضراره وضحاياه.
نحن لا نؤيد تصرفات الغرب، ومحاولاتهم منذ 2014، حصار روسيا بدول حليفة لهم، وأعضاء في حلف الناتو العسكري، ولا نؤيد تحريضهم للرئيس الأوكراني، ولا نستوعب كم التهديدات التي أطلقت في وجه ثاني أكبر قوة عسكرية على وجه الأرض، ومع كل ذلك، لا نؤيد ولن نؤيد ما يحدث في أوكرانيا حالياً، فالقوة ما كانت وسيلة لحل الخلافات، ولن تكون أداة تحقيق الأمان والاستقرار، والغزو كلمة لها معنى واحد، والاحتلال، كلمة مكملة للغزو، ولا تختلف عنه، والأمم لا تنسى الإهانة.