رأي في الحدث

عبدالمنعم ابراهيم : الغرب ورَّط (العرب) في حربين عالميتين ويريد إقحامنا في (الثالثة)!

منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬سكتت‭ ‬فيه‭ ‬المدافع،‭ ‬وحسمت‭ ‬أمريكا‭ ‬الحربَ‭ ‬العالميةَ‭ ‬الثانيةَ‭ ‬لصالحِ‭ (‬الحلفاء‭) ‬ضد‭ (‬المحور‭) ‬بإسقاطها‭ ‬القنبلتين‭ ‬الذريتين‭ ‬على‭ (‬هيروشيما‭) ‬و‭(‬نجازاكي‭) ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬عام‭ ‬1945‭. ‬اتفق‭ ‬المنتصرون‭ ‬على‭ ‬توزيعِ‭ ‬الغنائم،‭ ‬لكنهم‭ ‬اختلفوا‭ ‬حولَ‭ ‬من‭ ‬يقودُ‭ ‬العالمَ‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬فوجدنا‭ ‬أنفسَنا‭ ‬أمامَ‭ ‬معسكرين،‭ ‬غربيٍّ‭ ‬بقيادةِ‭ ‬أمريكا،‭ ‬وشرقيٍّ‭ ‬بقيادةِ‭ (‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭). ‬لكن‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬حديث‭ ‬الإعلام‭ ‬والصراع‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭ ‬كان‭ ‬يحتدم‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬التماس‭ ‬بينهما‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ (‬ألمانيا،‭ ‬كوريا،‭ ‬فيتنام،‭ ‬كوبا‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬الطرفان‭ ‬يتوصلان‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التفاهمات‭ ‬السياسية‭ ‬تنزع‭ ‬فتيل‭ ‬أية‭ ‬حرب‭ ‬قد‭ ‬تشتعل‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الصراع‭ ‬بالعالم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭ ‬السياسية‭ ‬كانت‭ ‬تتوقع‭ ‬أن‭ ‬تندلع‭ (‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثالثة‭) ‬من‭ (‬الشرق‭ ‬الأوسط‭) ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬كثرة‭ ‬الحروب‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشتعل‭ ‬في‭ ‬بلادها‭ ‬العربية‭ ‬تحديدًا‭.‬

لكن‭ ‬برؤية‭ ‬موضوعية،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ (‬الشرق‭ ‬الأوسط‭) ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬تحديدًا‭ ‬كانت‭ ‬ضحية‭ ‬للصراع‭ (‬الغربي‭ ‬‭ ‬الشرقي‭) ‬وليس‭ ‬سببًا‭ ‬لاحتمال‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬كونية‭ ‬ثالثة‭.‬

دعونا‭ ‬نتوقف‭ ‬أمام‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ (‬الأولى‭ ‬والثانية‭)‬،‭ ‬فكلاهما‭ ‬اندلعتا‭ ‬من‭ (‬أوروبا‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬كانت‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬تحت‭ ‬هيمنة‭ ‬طرفي‭ ‬الحرب،‭ ‬فالدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬ونفوذ‭ (‬الدولة‭ ‬العثمانية‭) ‬اصطفت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تركيا،‭ ‬والبلاد‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬أو‭ ‬الفرنسي‭ ‬أو‭ ‬الإيطالي،‭ ‬اصطفت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحلفاء‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭.. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬عربية‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬طرفي‭ ‬الحرب‭ ‬آنذاك‭.‬

وحدث‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬إذ‭ ‬اصطفت‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬الدولِ‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬عام‭ ‬1939‭ ‬ضد‭ ‬ألمانيا‭ (‬النازية‭) ‬آنذاك،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬دولاً‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬تحت‭ ‬الاستعمار‭ ‬أو‭ ‬النفوذ‭ ‬السياسي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬خصوصًا‭ ‬وأن‭ ‬تركيا‭ ‬نأت‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬الانحياز‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

اذن‭ ‬هناك‭ ‬حربان‭ ‬عالميتان‭ ‬تسبب‭ ‬بهما‭ ‬الغرب‭ ‬نفسه،‭ ‬واندلعتا‭ ‬من‭ (‬أوروبا‭)‬،‭ ‬وورطت‭ ‬بهما‭ ‬دولا‭ ‬عالمية‭ ‬كثيرة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الصراع،‭ ‬بل‭ ‬وورط‭ ‬الغرب‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حروبه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مصلحة‭ ‬حقيقة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭.. ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬كوارث‭ ‬إنسانية‭ ‬فظيعة‭ ‬وكارثية،‭ ‬وسالت‭ ‬دماء‭ ‬غزيرة‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭.‬

الآن‭ ‬يتحدثون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬اندلاع‭ (‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭) ‬بسبب‭ ‬النزاع‭ ‬الروسي‭ ‬الأوكراني‭ ‬في‭ ‬الحالي،‭ ‬والـ‭(‬بروباغندا‭) ‬الإعلانية‭ ‬الغربية،‭ ‬بل‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الغربية‭ ‬والأمريكية‭ ‬تحديدًا‭ ‬تتحرك‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬عربية‭ ‬سياسية‭ ‬ضد‭ (‬روسيا‭)‬،‭ ‬ويصورونها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ (‬النازية‭) ‬في‭ ‬أوروبا‭! ‬ويصورون‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ (‬بوتين‭) ‬على‭ ‬أنه‭ (‬هتلر‭) ‬أوروبا‭ ‬الجديد‭! ‬بينما‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الذين‭ ‬دفعوا‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬اقتحام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عسكريًا،‭ ‬ولأنهم‭ ‬أفشلوا‭ ‬الحلول‭ ‬السلمية‭ ‬حين‭ ‬رفضوا‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ (‬أمريكا‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭) ‬إعطاء‭ ‬روسيا‭ ‬تعهدا‭ ‬مكتوبا‭ ‬بعدم‭ ‬توسع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬شرقًا‭ ‬ضد‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭.. ‬وحكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬كانت‭ ‬تضيق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬لكي‭ ‬تدفعها‭ ‬إلى‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ثم‭ ‬تلتفت‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وبينها‭ ‬نحن‭ (‬الدول‭ ‬العربية‭) ‬لتطالبها‭ ‬بالوقوف‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬مهددة‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬اندلاع‭ (‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭) ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭!‬

لذا‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ألا‭ ‬تسقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الاختيار‭) ‬الذي‭ ‬تحاول‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬أن‭ ‬تضعنا‭ ‬فيه‭.. ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ (‬الحياد‭ ‬الإيجابي‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬ألا‭ ‬تقف‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬دق‭ ‬طبول‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الجديدة‭! ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬الحل‭ ‬السلمي‭ ‬للأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭.. ‬ويمكن‭ ‬لدول‭ ‬عربية‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬الوساطة‭ ‬السلمية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ (‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭).. ‬لأن‭ ‬الاندفاع‭ ‬خلف‭ ‬الـ‭(‬بروباغندا‭) ‬الإعلامية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الغربية‭ ‬والأمريكية‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬روسيا‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬يزيد‭ ‬الأمر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬وبتعبير‭ ‬آخر‭ ‬كمن‭ ‬يصب‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬وعلى‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي،‭ ‬حين‭ ‬دفعتنا‭ ‬أوروبا‭ ‬والغرب‭ ‬عمومًا‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬كونية‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭.. ‬لا‭ ‬ناقة‭ ‬لنا‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬جمل‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى