السيــد زهـــره: نكتة العصر
هذه بالتأكيد نكتة العصر الحديث كله.
هي ليست نكتة فقط. هي من العجائب والغرائب في التاريخ وفي عالم السياسة التي تنطبق عليها تعبيرات من قبيل، صدق أو لا تصدق وما شابه ذلك.
اليوم أمريكا وبريطانيا وباقي الدول الغربية يتباكون على القانون الدولي ويظهرون حرصهم الشديد عليه وتعلقهم الكبير بضرورة تطبيقه.
أمريكا وهذه الدول الغربية تظهر أمام العالم اليوم من أشد المدافعين عن سيادة واستقلال الدول والمنددين بأي انتهاك لها.
مندوبو هذه الدول في مجلس الأمن في كلماتهم وأيضا في تصريحات المسؤولين الغربيين عموما، يدينون الهجوم الروسي على أوكرانيا وكيف أنه يمثل انتهاكا للقانون الدولي الذي يجب أن يطبق على الجميع وانتهاك لاستقلال وسيادة دولة مستقلة. وأمريكا والدول الغربية تتحدث اليوم عن الدور الذي يجب أن تلعبه الأمم المتحدة، وكيف أنهم سيواصلون العمل مع المنظمة الدولية في مواجهة روسيا.
بالطبع من حق أي دولة أن تدين الهجوم الروسي أو تتحدث عن انتهاك القانون الدولي وسيادة الدول أو تتحدث عن دور الأمم المتحدة، لكن الغريب جدا أن تكون أمريكا وبريطانيا بالذات وباقي الدول الغربية هي التي تذرف الدموع اليوم على القانون الدولي، وهي التي تستنجد به وبالأمم المتحدة.
على امتداد العصر الحديث كله ومنذ عقود طويلة، لم يحدث أن داست دول على القانون الدولي بالأقدام وضربت به عرض الحائط في سياساتها وممارساتها أكثر من أمريكا والدول الغربية.
لم يحدث أن دمرت دول سيادة واستقلال الدول والشعوب مثلما فعلت أمريكا والدول الغربية.
وعلى امتداد العقود الماضية كانت أمريكا والدول الغربية بالذات هي التي شلت الأمم المتحدة ومنعتها من لعب أي دور فاعل لتحقيق أمن وسلام العالم، وضربت بقراراتها عرض الحائط.
أين كان القانون الدولي حين دبرت أمريكا انقلابات وأطاحت برؤساء دول مستقلة ونصبت حكومات عميلة لها؟
أين كان القانون الدولي حين ارتكبت أمريكا وبريطانيا واحدة من أشنع جرائم العصر الحديث، جريمة غزو واحتلال العراق ودمرتا بلدا وشعبا؟
أين كان القانون الدولي من الحقائق والوقائع التي تكشفت وأصبحت موثقة عن قيام أمريكا وبريطانيا بفبركة معلومات ضللت بها العالم كي تغزو العراق من دون أي تفويض من الأمم المتحدة؟
وأين هو القانون الدولي من ترسانة جرائم الحرب والإبادة الموثقة أيضا التي ارتكبتها أمريكا وبريطانيا في العراق؟
أين هو القانون الدولي وأين هي الأمم المتحدة وقراراتها من قضية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومن جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي لا تتوقف بحق هذا الشعب؟
أليست أمريكا بالذات هي التي وقفت منذ عقود بوجه أي محاولة لتطبيق أي من قرارات الأمم المتحدة التي تنصف شعب فلسطين وحقوقه؟
أين كان القانون الدولي وسيادة واستقلال الدول حين تآمرت أمريكا في عهد إدارة أوباما على الدول العربية وخططت لإسقاط نظم حكم وطنية وتدمير دولنا وإغراقها في الفوضى والخراب؟
نستطيع أن نمضي ونطرح عشرات التساؤلات في هذا السياق.
المهم أنه كما نرى أمر مثير للسخرية تماما أن تحاول أمريكا والدول الغربية أن تظهر أمام العالم اليوم كما لو كانت في مقدمة الحريصين على تطبيق القانون الدولي وعلى سيادة واستقلال الدول وعلى الدور الفاعل للأمم المتحدة.
القانون الدولي ليس مطية تدوسه وقتما تشاء وتستدعيه وقتما تشاء.
حقيقة الأمر أن العالم لن يشهد سلاما ولا أمنا ولا استقرارا إلا حين يتم تطبيق القانون الدولي ومبادئه على الدول الغربية بالذات، وعندما تتم محاسبتها على ما ارتكبته وترتكبه من جرائم بحق الدول والشعوب.