رأي في الحدث

أحمد الجارالله : محمد بن سلمان وخريطة طريق السعودية إلى المستقبل … إنَّ الله لَيَزَعُ بالسُّلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن

لم يُوارب وليُّ العهد السّعودي الأمير محمد بن سلمان الباب في حديثه إلى مجلة “ذا أتلانتك” الأميركية، لم يكن صريحاً فقط، بل كان بمثابة بيان حكومي، وخريطة طريق إلى مُستقبل المملكة، أكان في الداخل أم بعلاقاتها مع الخارج، فإذا كان تشديدُهُ على أنه “لا يحق لأحد التدخل في شؤون المملكة الداخلية؛ لأن ذلك أمر يخصُّ السعوديين فقط”، فهو، أيضاً، أوضح أن كل الإجراءات التي اتخذتها الرياض منذ سبع سنوات إلى اليوم “تسير بالاتجاه الصحيح، وفق معايير الشعب السعودي ومعتقداته”.
لا شكَّ أن الأسئلة المُختارة بعناية كبيرة وُضعت من أجل توضيح كل ما التبس على كثير من المراقبين الذين لا يعرفون المزاج السعودي، ولا يدركون طبيعة العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب، لذا حين سئل عن الإصلاحات الخاصة بالمرأة كان جوابه قاطعاً: “أتت من أجل البلاد، وليست استرضاءً لأحد، بل نسعى إلى أن نتطور بناءً على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية، وقبل ذلك الشعب السعودي وتاريخنا”.
في هذا الحديث المطول كشف الأمير محمد بن سلمان كثيراً من المنافقين الذين لايزال بعضُهُم يعتقد أن إدارة المملكة لاتزال كما كانت في الأمس، وليست جديدة كلياً تعمل وفق قواعد حددها الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومنها قوله في العام 2017: “رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، إذا رأيتم أو رأى إخواني المواطنين وهم يسمعونني الآن أي شيء فيه مصلحة لدينكم قبل كل شيء ولبلادكم، فأهلاً وسهلاً بكم، وأكرر أبوابنا مفتوحة وهواتفنا مفتوحة وآذاننا صاغية لكل مواطن”.
هذا الكلام لم يستوعبه أولئك الذين حاولوا التملُّق من خلال تصوير أي انتقاد لبعض المثالب، التي عانت منها المملكة، على أنه تهجُّمٌ على سياستها، فيما الحقيقة غير ذلك تماماً، بل إن كثيراً من تلك الإضاءات التي سلَّطها صحافيون سعوديون وخليجيون كانت مؤشرات على الرؤية الجديدة للحكم، لذا جاءت بعدها مجموعة من الأوامر الملكية لتؤكد انسجام تلك الآراء مع النهج الجديد، وفق خطط مدروسة لا تخضع لأي إملاءات خارجية، إنما تنبع من معطيات داخلية بحتة.
لقد أعاد الأمير محمد بن سلمان التأكيد على الدور الخطير الذي مارسته جماعة “الإخوان المسلمين” لفرض رؤيتها المُتطرفة على المجتمع السعودي، الذي يُمكن القول إن ما يجري فيه يشكل البوصلة لبقية المجتمعات الخليجية، لذا حين يقول ولي العهد السعودي: إن “جماعة الإخوان” أدت دوراً ضخماً في صناعة التطرف، وإن المتطرفين سنة وشيعة اختطفوا الإسلام ولم يجدوا من يوقفهم عند حدودهم”، فهو بذلك يؤكد ما ذهب إليه بعض الصحافيين الخليجيين عن تأثير تلك الجماعة على المجتمع الأكبر في المنطقة، وما يرخيه ذلك من ظلال على بقية المجتمعات الخليجية، وأن الإجراءات التي اتخذتها المملكة كانت العلاج الصحيح لكبح جماعات التطرف، كما أنها مهدت لإظهار الإسلام بصورته الصحيحة، لذا لم يكن الانفتاح السعودي غريباً، بل هو من روح هذا المجتمع العريق الذي تكوَّنت ثقافته عبر التاريخ من خلال التلاقي مع الآخر.
انطلاقاً من هذا المبدأ جاءت، أيضاً، عملية إعادة تنظيم الإجراءات القضائية لتكون وفقاً لما ينص عليه القانون، وليس مرئيات القاضي التي كانت سابقاً تمثل الأساس في إصدار الأحكام، ولهذا قال الأمير محمد بن سلمان: “في ما يتعلق بعقوبة الإعدام، لقد تخلَّصنا منها جميعاً ما عدا فئة واحدة، وهذه مذكورة في القرآن، ولا يُمكننا فعل أي شيء حيالها، فإذا قتل أحدٌ شخصاً آخر، فإن لعائلة المقتول الحق في المطالبة بقتله، ما لم يعفوا عنه، أو إذا كان شخص يُهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يُعاقب بالإعدام، وهذا نصَّ عليه القرآن، بغض النظر عمَّا إذا كنت أحب ذلك أم لا، فيما هناك عدد قليل من العقوبات التي ترجع للقاضي، وهذا ما نناقشه ونسعى لإيقافه في العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة”.
طبعاً إن النموذج الواضح في مكافحة الفساد وفقاً لرؤية منهجية تمثلت “في إيقاف مشكلة ضخمة في السعودية، ففي كل ميزانية، كانت هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين، ولو استمر الفساد، لن يكون هناك وزراء أكفاء، ولا أشخاص بارزون أكفاء يعملون في الحكومة ويكافحون ليل نهار، ويعملون على مدار اليوم، ما لم يعتقدوا أنهم يسلكون طريقاً قويماً ومشروعاً، وهذا لن يحدث مادام هناك فساد في السعودية”، ولهذا فقد تحرَّرت المملكة من الفساد بفضل الإجراءات التي اتخذت.
أما في ما يتعلق بالعلاقات الإقليمية فقد كان الرجل واضحاً حيال إيران أو إسرائيل، فإذا كانت الأولى جارة لا يُمكن التخلص منها بسبب الجغرافيا فإنَّ العلاقة معها يجب أن تقوم على التعايش استناداً إلى الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، ما يعني أن على طهران أن تقتنع أنَّ لا أحد يُمكن أن يلغي الآخر في هذه المنطقة، أو يفرض أيديولوجيته.
أما إسرائيل “التي هي حليفٌ محتملٌ في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً” عليها تنفيذ الالتزامات الدولية، وحل مشكلاتها مع الفلسطينيين؛ لأن ذاك المعبر الإلزامي للسلام، وفقاً لما يستشف من كلام ولي العهد السعودي.
اليوم وبعد سبع سنوات من مسيرة تحديث المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان ما جلعها نموذجاً يُحتذى في المنطقة، صدقت مقولة الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بهذين القائدين:
“إنَّ الله لَيَزَعُ بالسُّلطان ما لا يزع بالقرآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى