عبدالمنعم ابراهيم :أمريكا تقود (أوروبا) إلى المعاناة في عقوباتها ضد روسيا
إذا كانت زيارة رئيس الوزراء البريطاني (بوريس جونسون) المقررة اليوم الأربعاء للسعودية ستكرر المطالب الأمريكية بزيادة الإنتاج النفطي السعودي عالميا لمواجهة النقص في (النفط الروسي) بعد العقوبات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة ضد (موسكو) بسبب أزمة أوكرانيا، فإن زيارته ستكون (فاشلة) منذ البداية، لأن الموقف السعودي وكذلك موقف (دولة الإمارات) كان واضحاً منذ البداية، وقد عبر عنه بيان مجلس الوزراء السعودي في مطلع شهر مارس الجاري، وهو الالتزام بخطة تحالف (أوبك – بلس) المتعلقة بتقنين الإنتاج، وينص الاتفاق على زيادة إمدادات مصدري الخام من دول المنظمة والمنتجين 400 ألف برميل يومياً كل شهر.. وقد سبق لأمريكا ودول أوروبية، بينها فرنسا أن طالبت السعودية والإمارات بزيادة إنتاج النفط، إلا أنهما رفضتا ذلك، وأعلنتا التزامهما بخطة تحالف (أوبك – بلس) التي لا تزال (روسيا) طرفاً مهما فيه.
ويبدو أن (بوريس جونسون) يدرك ذلك تماماً، لأن تكرار المطالب الأمريكية لن يجدي نفعاً، ولأنه يُعرّض تحالف (أوبك – بلس) للانهيار، ولذلك قال مؤخراً في مقابلة مع قناة (سكاي نيوز): «ما سنفعله هو دراسة إمدادات الطاقة الخاصة بنا.. للابتعاد عن الاعتماد على النفط والغاز الروسي». وقد أدت تداعيات العقوبات المفروضة على روسيا، التي تعد أكبر منتج للغاز، وثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية إلى ارتفاع أسعار البنزين ووقود الديزل في بريطانيا إلى مستويات قياسية، وهو ما فاقم أزمة معيشية تواجهها الأسر مع ارتفاع كلفة التدفئة.
وذكرت وكالة (دبا) عن معهد أكسفورد لدراسات الطاقة في تقرير صدر في مارس الجاري «أن حوالي 60 في المائة من صادرات روسيا من النفط الخام تذهب إلى القارة الأوروبية، فيما تحصل (آسيا) على حصة تبلغ 35 في المائة منه، وبهذه النسبة التي تقترب من 60 في المائة تزود بها روسيا القارة الأوروبية بنحو ثلث احتياجاتها من النفط، فيما يقدر الخبراء أنه وفقا لأسعار الطاقة الحالية، فإن أوروبا تدفع لروسيا حوالي 350 مليون يورو (أي 382 مليون دولار) يومياً مقابل الصادرات النفطية الروسية».
المفارقة العجيبة في موقف الدول الغربية عموماً أن أمريكا تجرهم إلى المضي خلف عقوباتها الاقتصادية ضد (روسيا) بسبب أزمة أوكرانيا، لكن الدول الأوروبية وبريطانيا هم أكثر المتضررين من هذه العقوبات الأمريكية ضد روسيا، وهناك أضرار جانبية لحقت بالاقتصاد الأمريكي نفسه، فالشركات التي كانت تتعامل مع شركات روسية هي الأخرى تضررت في أمريكا وبريطانيا ودول أوروبية كثيرة، بل هناك دول في أوروبا الشرقية تعتمد على النفط الروسي بنسبة 90 في المائة! ومطلوب منها الآن أن تنفذ العقوبات الأمريكية على روسيا!
حالة سريالية حقاً – كمن يطلب من الشعوب الأوروبية أن تجوع قبل الذهاب إلى الحرب! وهذه هي خطيئة أوروبا وبريطانيا التي ظلت تنقاد خلف الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أعمى في أكثر من موقف دولي ساخن.. بل وتجرهم (واشنطن) خلف حروبها الخارجية (معصوبي الأعين)، وفي النهاية يخرجون منها بهزائم ذريعة بعد أن يموت آلاف الجنود البريطانيين والأوروبيين، وتهدر مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب في بلادهم في معارك أمريكية خاسرة منذ البداية.
في الغرب يسخرون من (روسيا) بأنها أمضت حتى الآن عشرين يوماً ولم يستطع الجيش السيطرة على أوكرانيا ودحرها، ونسوا أن أمريكا وحلف الناتو والدول الأوروبية وبريطانيا انخرطوا في حرب أفغانستان (عشرين عاماً) وليس عشرين يوماً، ولم يحققوا النصر في أفغانستان، وفي النهاية تمت الهزيمة الكبرى لكل هذه الجيوش الأمريكية والغربية، حين سلمت (واشنطن) الحكم في كابول إلى (حركة طالبان) التي اعتبروها منظمة إرهابية!!
مشكلة أوروبا وبريطانيا ليست مع روسيا أو الصين، بل إن مشكلتهم الحقيقية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تجرهم إلى حروب عبثية في مناطق عدة من العالم، ويدفعون تضحيات بشرية ومادية كبيرة.. ويخرجون منها مهزومين! وها هي (واشنطن) تجرهم حالياً إلى التضحية في عقوبات اقتصادية ونفطية وتجارية وزراعية ومالية ضد روسيا، بينما هم لا يزوالون يعتمدون على النفط والغاز الروسي! وحتى الآن لم تقطع (موسكو) إمدادات الطاقة إلى الدول الأوروبية وتستمر أنابيب النفط والغاز تزود أوروبا وشعوبها ومصانعها مروراً بالأراضي الأوكرانية رغم الحرب الضروس هناك!
إنها حالة أوروبية تسمى في علم النفس (ماسوشية)؛ أي الرغبة في استشعار الألم! أو حالة من (جلد الذات) لإرضاء أمريكا!